إلى الواجهة، عادت ​العلاقات اللبنانية السعودية​ خلال الأيام القليلة الماضية على خلفية الرسم ‏الكاريكاتوري المسيء للدولة اللبنانية الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، وما أحدثه ‏من ردّات فعل في الشارع اللبناني، قد يكون بعضها تخطّى الحدود المسموح بها.‏

وبعيداً عن تقييم الرسم الكاريكاتوري وردود الفعل عليه، أثار تصريحٌ للسفير السعودي علي ‏عواض عسيري عن "تضخيم" الموضوع وتحميله ما يفوق "حجمه الطبيعي" الكثير من علامات ‏الاستفهام، فهل العلاقات بين لبنان والسعودية ما تزال فعلاً "أعمق" من أن تختصر برسم ‏كاريكاتوري، كما قال عسيري؟ وإذا كانت كذلك، ما الذي يفسّر إذاً كلّ "الهزّات" التي تعرّضت ‏لها هذه العلاقات مؤخراً؟

ماذا لو...‏

أن توصَف دولة لبنان بـ"الكذبة" تحت ستار "حرية الرأي والتعبير" أمرٌ لا يمكن لأحد أن ‏يستسيغه أو يتقبّله، تمامًا كما أنّ تبرير ذلك بالقول أنّ لبنان يعيش "كذبة" وليس بحدّ ذاته "الكذبة" ‏يفتقد للكثير من المنطق والواقعيّة.‏

ولكن، وعلى جري العادة، "سُيّس" هذا الفعل سريعاً، لتُحصَر الاعتراضات بفريقٍ محدّد من ‏اللبنانيين، ما أوحى وكأنّ هذا الفريق قرّر "استغلال" ما حصل في سياق "صراعه المُعلَن وغير ‏الخفي" مع المملكة العربية السعودية، على حدّ تعبير مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار، ‏لاحظت أنّ الفريق الآخر لاذ في المقابل بالصمت المطبَق، وكأنّ أيّ إساءةٍ لم تحدث أو تُرصَد، ‏لدرجة أنّ من اضطر اضطراراً للتعليق فعل ذلك بخجل على طريقة "رفع العتب"، بل إنّ ‏بعضهم سارعوا بلا خجل للدفاع عن الصحيفة والسعودية ونسوا، أو بالأحرى تناسوا، الإهانة ‏التي تشملهم شأنهم شان سائر اللبنانيين.‏

وإذا كان الأمر لم يعد مستغربًا في لبنان بعدما تخلّى أصحاب منطق "لبنان أولاً" ومبتكرو شعار ‏‏"السيادة والحرية والاستقلال" عن كلّ مبادئهم يوم "حجّوا" إلى ​السفارة السعودية​ "فرادى ‏وجماعات"، راجين من المملكة "الصفح" عنهم بعدما قرّرت "مراجعة" علاقاتها بلبنان، كما ‏تقول المصادر، فإنّها تطرح جملة علامات استفهام، منها، ماذا لو أنّ الكاريكاتور المشكو منه ‏كان ​إيران​يّ النشأة، أو نُشِر على إحدى وسائل الإعلام المحسوبة على المحور المقابل، بما فيها ‏تلك التي تصنّف نفسها "مستقلّة"؟ هل كان ردّ فعل هؤلاء ليكون نفسه، وهل كانوا ليعترضوا ‏على "تضخيم" الموضوع، أم أنّهم كانوا سيعتبرون ذلك دليلاً على ما يردّدونه ليلاً نهاراً عن أنّ ‏‏"حزب الله" ومن ورائه رعاته الإقليميين لا يعترف بوجود "الدولة" ويحقّرها؟ هل كانوا ‏سيقتنعون بأيّ تفسيراتٍ أو تبريراتٍ يمكن أن تُعطى، أم كانوا سيعتبرون الأمر بمثابة "مؤامرة ‏إيرانية" على "الدولة" لا يمكن السكوت عليها مهما كلّف الأمر؟ ‏

كلام جميل!‏

عمومًا، كُتِب الكثير عن الكاريكاتور المسيء وردود الفعل عليه، ومنها "المسيء" الذي لا يمكن ‏القبول به أيضاً، ولكنّ المصادر تتوقف عند ما صدر عن السفير السعودي ​علي عواض عسيري​ ‏بالتحديد، لناحية القول أنّ العلاقات "الأخوية" بين السعودية ولبنان "أعمق" من أن تختصر برسم ‏كاريكاتوري، وأنّ احترام المملكة للدولة اللبنانية ومؤسساتها وشعبها "ليس في حاجة إلى برهان".‏

الكلام جميل، تقول مصادر "​8 آذار​"، ولكنّ المشكلة تكمن في أنّه يأتي بعد "تراكمات" في ‏السياسة السعودية لم توحِ بشيءٍ من كلّ هذا، خصوصًا في الفترة الأخيرة بعد "هزّ العصا" الذي ‏اعتمدته السعودية إزاء لبنان "المخطوف"، كما وصفته، من "حزب الله" وإيران. تذكّر المصادر ‏كيف أنّ السعودية لم ترضَ بكلّ التبريرات التي حاول "أًصدقاؤها" في لبنان سوقها، وذهبت لحدّ ‏اعتبار البيان الذي أصدرته الحكومة اللبنانية وفيه ما فيه من التودّد للمملكة بأنه "إنشائي" لا أكثر ‏ولا أقلّ، معلنة أنّ "المطلوب" أكثر من ذلك، وعلى الرغم من أنّ لبنانيين كثراً "تطوّعوا" ليقدّموا ‏هذا "الأكثر"، فحوّلوا السفارة السعودية إلى "محجّة" لهم ذهبوا إليها لتقديم "الاعتذار" دون حسيبٍ ‏أو رقيب، فإنّ المملكة بقيت على موقفها، واستمرّت بالتلويح بالمزيد من العقوبات ضدّ لبنان، كلّ ‏لبنان.‏

أما الحديث عن أنّ الأمر لا يختزل بهذا الشكل، خصوصًا أنّ الامتعاض الرسمي السعودي مرتبط ‏بمواقف رسمية صدرت عن الدولة اللبنانية، واعتُبِرت مسيئة للمملكة العربية السعودية، فترفضه ‏المصادر أيضاً، وتحيل أصحابه لـ"الطنّة والرنّة" التي أحدثها نقل "تلفزيون لبنان" لمقابلة للأمين ‏العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، يوم رفض عسيري نفسه وضعه في سياق "الاعتبارات ‏المهنية والإعلامية" وعبّر عن استيائه الشديد منه، وخرج ليحتجّ بصورة رسمية وعلنية، ويطالب ‏الحكومة اللبنانية بالتحرّك لوقف ما سُمّي بـ"المهزلة"، ولم ينتهِ الأمر إلا بـ"توبة" التلفزيون ‏الرسمي عن القيام حتى بما يفترض أنّه "واجبه" بنقل الخطابات السياسية لقادة الأحزاب في ‏لبنان.‏

فلتُصحَّح العلاقات!‏

في المبدأ، لا شكّ أنّ السفير السعودي محقٌ في اعتبار العلاقات اللبنانية السعودية "أعمق" من أن ‏تُختصَر بمقال أو كاريكاتور أو ما شابه، ولا شكّ أنّ متانة هذه العلاقات لا تحتاج لأدلّة وبراهين ‏من هنا أو هناك.‏

ولكن، ولأنّ المبدأ بعيد جداً عن الواقع، نتيجة الممارسات السعودية نفسها، يبقى السؤال، لماذا لا ‏يطبّق هذا المبدأ بحذافيره على السياسة السعودية إزاء لبنان؟ ولماذا لا يكون كلام السفير ‏السعودي نفسه منطلقاً لتصحيح الاعوجاج الذي طال العلاقات اللبنانية السعودية مؤخراً؟ ‏

والأهمّ من كلّ ذلك، لماذا لا يكون "حسن النوايا" هذا "ضمانة" كافية لإعادة الأمور لنصابها ‏الصحيح بين المملكة ولبنان، بعيداً عن منطق التهديد بعقوباتٍ سياسية ودبلوماسية واجتماعية، ‏عقوباتٍ طبعاً لا مكان لها في قاموس علاقاتٍ متينة لا تحتاج لبرهان؟! ‏