تتحفنا الدولة كل فترة باكتشاف "فضيحة" ما لتُشغل بال المواطنين، فهي تعمل بجد وتحاول ‏محاربة فساد الشركات والسرقات، هكذا تريدنا ان نعتقد، ولكن كما كنا ندقق سابقا في "انجازاتها" ‏ونجد انها "مصنوعة" خصيصا لمصالح شخصية، سنفعل اليوم بفضيحة ما سُمّيَ بالانترنت غير ‏الشرعي.‏

بداية يمكن تعريف ​الانترنت غير الشرعي​ بأنه كل عملية بيع او شراء لِسِعَةِ الانترنت من خارج ‏‏"الدولة" التي تملك حقا حصريا في هذا القطاع، ممثلة ب​وزارة الاتصالات​ وليس "اوجيرو" كما هو ‏شائع، والتي تبيعها او ما يعرف بخطوط "‏E1‎‏"، التي تستقدمها عبر الكابل البحري ‏IMEWE"‎‏"‏‎ ‎‎(India-Middle East-Western Europe)‎‏ القادم من الهند والذي يمر بالاسكندرية قبل ‏الوصول الينا في طرابلس ليتابع طريقه الى اوروبا الغربية والذي كلف الدولة اللبنانية 55 مليون ‏دولار اميركي. ينقل هذا الكابل ما يوازي ملايين خطوط "‏E1‎‏"، ولكن الدولة ركبت عليه بداية ‏‏"حنفيّة" لتسحب 16 الف خط "‏E1‎‏" واليوم "حنفية" 64 مليون خط. اضافة الى ذلك، يوجد الكابل ‏‏"قدموس/الكسندروس" القادم من قبرص وتأخذ الدولة منه ما يوازي خط الـ"‏IMEWE‏".‏

من هم اللاعبون؟

تحدثت نشرات الاخبار منذ ايام عن اكتشاف محطّات لاستجرار الانترنت غير الشرعي. وفي ‏التفاصيل ان "تجمّع بعض شركات مزودي الانترنت" تقدّم بتاريخ 25 كانون الثاني 2016 ‏بشكوى الى وزير الاتصالات ​بطرس حرب​ يكشف فيها عن وجود "شبكة انترنت غير شرعي ‏وكابلات ألياف ضوئية غير شرعية لنقل المعلومات"(1)، فتحرك وزير الاتصالات بطرس حرب ‏وارسلها الى اوجيرو، بينما كان في العام 2015 قد ابلغ التفتيش المركزي بما وصله من ‏الشركات آنذاك وماتت القضية، الا انه اليوم أحال الشكوى لمدير عام الاستثمار والصيانة في ‏وزراة الاتصالات، مدير عام اوجيرو ​عبد المنعم يوسف​ الذي استلمها واحالها في 15 شباط ‏‏2016، الى مديريات ​أوجيرو(2). كذلك احال حرب الشكوى الى النيابة العامة المالية بتاريخ 4 ‏اذار 2016(3).‏

فالشكوى مقدمة ضد 12 شركة على رأسها شركة "فيرتشوال اي اس پي" (‏VISP‏)، مديرها، ‏​هاغوب تكايان​ حملت في صلبها تفاصيل دقيقة جدا عن عمل هذه الشركات وكيفية توزيع وبيع ‏الانترنت بحيث تشير الشكوى التي حصلت "النشرة" على نسخة منها الى أماكن تواجد معدات ‏الشركات وفي أي مناطق وأي أبنية وأي طوابق، بالاضافة الى "الوصلات" التي تربط المناطق ‏ببعضها(4). عند التدقيق في "التجمع" الذي قدّم الشكوى نجد ان الإسمين البارزين فيه يعودان ‏لتوفيق حيصو مدير شركة "ت.‏‎ ‎ح غلوبال فيجن" و​روبير صعب​ مدير شركة "ليباتيك". وهنا لا بد ‏من العودة الى أصل المشكلة.‏

كان توفيق حيصو‎ ‎‏(الحديث نسبيا في سوق الانترنت) يشتري الانترنت من هاغوب تكايان ‏‏(العتيق في هذا السوق)، وكانت الوزارة، البائع الحصري لِسِعَةِ الانترنت في لبنان، تبيع الشركات ‏بطريقة نسبية وتحاول دائما خنق السوق عبر تقطير السِعَة وعدم بيع الشركات ما تحتاجه رغم ‏توافر الكميات المطلوبة لديها، فكان يضيق الخناق على تكايان، بينما كان حيصو يحصل على ‏ما يريد من السعات لتمكينه من ضرب تاكايان في السوق بحسب المطّلعين على هذا الملف. ‏تقول المصادر الخاصة بـ"النشرة" أن حيصو لم يستطع كسر تاكايان بسبب قوة الاخير في ادارة ‏عمله وضعف الاول في هذه المهمة كون حيصو ليس بـ"رجل تكنولوجيا" كما يصفه عارفوه، ولكن ‏سبب الاشكال الذي حصل بين تكايان وحيصو هو "ال​غوغل كاش​"(5)في تشرين الثاني من ‏العام الماضي.

رواية "الغوغل كاش"‏

بعدما حصل توفيق حيصو على ما يشاء من سِعَةِ الانترنت ووصل استهلاكه الى 1000 ‏ميغابايت شهريا (المستوى الذي يمكّنه من طلب الحصول على غوغل كاش)، طلب حيصو من ‏تاكايان التقدم بطلب الحصول على "غوغل كاش" على اسم حيصو، على أن يوضع الجهاز في ‏محطة تاكايان ليديره كون شركة حيصو غير قادرة تقنيا على ذلك. بعد فترة طلب حيصو من ‏تكايان استرجاع "الغوغل كاش" ولكنه رفض، فقامت "أوجيرو" التي تملك جهازا مماثلا بنقله الى ‏مكاتب حيصو في بربور مما يعفيه من تكلفة كبيرة قد تصل الى مئات ملايين الليرات، مع ‏الاشارة الى ان تاكايان كان يفسح المجال امام الشركات للاستفادة من "غوغل كاش" الخاص به ‏بشكل مجاني، وهو ما يؤكده عدد من اصحاب شركات الانترنت الذين تحدثنا معهم. وتضيف ‏المصادر: "كل ذلك لم يجعل من حيصو الأقوى، ولم يستطع "غزو السوق" رغم كل التسهيلات ‏فتقرر أخيرا كتابة الشكوى وارسالها مع العلم ان الدولة اللبنانية على اطّلاع تام بوجود قطاع ‏الانترنت غير الشرعي منذ العام 2015 على اقل تقدير عندما ارسلت الشركات المرخصة ‏الكبرى رسالة الى وزير الاتصالات بطرس حرب تبلغه فيها بهذا الأمر، وأخرى موجّهة من رئيس ‏الهيئة الناظمة للاتصالات عماد حب الله الى وزير الاتصالات بطرس حرب في 14 كانون ‏الثاني عام 2015(6).‏

أما بالنسبة للتفاصيل الدقيقة الواردة في الشكوى وكيفية العلم بها من قبل الشركات فلا بد من ‏الاشارة الى ان روبير صعب كان يعمل مديرا مسؤولا لدى شركة هاغوب تاكايان وبالتالي فهو ‏من المطّلعين على كامل تفاصيل الشركة.‏

وتكشف المصادر ان الهدف الرئيسي من كل ما يجري هو تجميع أكبر عدد من المشتركين في ‏مكان واحد، بهدف السيطرة على القطاع وتحويله بأكمله نحو شركة "ليبان تلكوم" المزمع إنشاؤها ‏بناء على القانون رقم 431، الذي ينص على تحرير القطاع وانشاء الهيئة الناظمة للاتصالات ‏التي تنظم عمل الشركات وتحرص على المنافسة المشروعة والنزيهة وأخيرا تحويل "اوجيرو" الى ‏‏"ليبان تلكوم". فحصة اوجيرو من السوق اليوم كبيرة لكنّها لا تسيطر على السّوق سيطرة تامة ‏وبالتالي سيتم تخصيصها إن حصل، بسعر عادي، ولكنها بعد ذلك ستضم مشتركي كل الشركات ‏الفرعية التي دعمتها، لتصبح شركة قويّة ومسيطرة فيرتفع ثمنها كثيراً و بسرعة.‏

‏20 محطة غير شرعية

أما بالنسبة لمحطات الانترنت غير الشرعي التي تم الحديث عنها في الاعلام، فعلمت "النشرة" ‏أن حوالي 20 محطة غير شرعيّة تم تفكيكها قبل ضبطها وهي بدأت عملها في لبنان تدريجيا ‏منذ العام 2009 وما قبل، وأن المحطات كانت تشتري الانترنت من قبرص التركية وبسعر 10 ‏دولار اميركي لخط "‏E1‎‏" أو أقل، علما ان السعر الرسمي له في لبنان هو 250 دولارا بالشهر، ‏وأن ما ضبط كان اولا في عيون السيمان-المزار بتاريخ 26 شباط 2016 حيث وُجدت محطة ‏لهاغوب تاكايان الذي اعترف بملكيته للمعدات هناك خلال التحقيق(7)، ومن ثم في نفس التاريخ ‏كشفت محطّة في عيون السيمان المزار أيضا يملكها السيد عماد لحود الذي اعترف بالامر ‏أيضا(8). أما في منطقة الضنية، فبتاريخ 29 شباط 2016 تم ضبط أجهزة محطة انترنت ولم ‏يعرف صاحبها(9). وقد علمت "النشرة" ان المحطة في الضنيّة تُدار من قبل شركة تحظى ‏بتغطية رجل سياسي رفيع في الشمال وزوجته هي محامية الشركة.‏

وفي منطقة باكيش فقرا تم العثور على محطة انترنت تعود لرينو سماحة(10)، ومفاجأة ‏التحقيقات كانت حسبما علمت "النشرة" ان هذه المحطة تعود الى ت. ح. وفي التفاصيل التي ‏كشفتها التحقيقات ان رينو سماحة أنشأ محطة استجرار انترنت لصالح ت. ح. منذ أشهر في ‏منطقة باكيش-فقرا وكلّفت عشرات الاف الدولارات دون ان يتم تشغليها لحصول "الفضيحة" ‏بالتزامن مع انتهاء الاعمال. وعلمت "النشرة" أن ت. ح. قد أنكر معرفته بالمحطة او علاقته بها ‏ولكن سماحة سيقدم للتحقيق المستندات التي تثبت ما يقوله والتي من الممكن ان تغيّر الكثير في ‏حسابات اللاعبين في هذا الملف.‏

حرب شعواء تدور في قطاع الانترنت يخوضها المستفيد منه والذي يقوي شركات على حساب ‏شركات اخرى، وآخر فصول تلك الحرب مثلا كان منذ ايام عندما أقفلت شركة "فرح نت"، ‏مديرها، غسان عاصي في منطقة المزرعة ببيروت، والمفارقة انه بعد مرور ساعات فقط على ‏قرار الاقفال بدأ مشتركو "فرح نت" حسبما أكدت لـ"النشرة" مصادر متابعة بتلقّي الاتصالات من ‏قبل شركة منافسة كبرى في تلك المنطقة لعرض خدمة الانترنت عليهم.‏

ان المعلومات الكثيرة في هذا الملف غير قابلة للحصر في تقرير واحد، لذلك سنعمد الى نشر ‏تقارير متلاحقة على شكل حلقات نعود فيها بالتاريخ لاواخر التسعينيات يوم نالت شركات ‏الانترنت الكبرى تراخيصها، ونطلع على طريقة العمل وكيف كانت تحرم الشركات من سِعَةِ ‏الانترنت وتدفع للبحث عن مصدر آخر تلبّي به المشتركين، اضافة للتمثيلية الكبيرة التي تتحدث ‏عن اختراق أمني مخابراتي عبر الانترنت غير الشرعي.‏

صحيح ان استجرار الانترنت من خارج لبنان ممنوع قانونا ولكن ماذا عن حرمان الدولة من ‏مداخيل ضخمة جراء رفض بيع سِعَةِ الانترنت؟

(1)

(2)

(3)

(4)

(5)"غوغل كاش" هو جهاز يعود لشركة "غوغل" ويمكن للشركة التي وصلت قيمة استهلاكها للانترنت ‏الى 1000 ميغابايت ان تطلبه ليكون بحوزتها، وهو يساهم بالتوفير في صرف سعات الانترنت ‏يحيث يصبح لمن يملكه افضلية على باقي الشركات.‏

(6)

(7)

(8)

(9)

(10)