ستبقى جلسات انتخاب رئيس للجمهورية تشكّل تمديداً للفراغ طالما أنّ هذا الملفّ مرتبط بالأزمات العربيّة المتشعّبة على أرض هذا الإقليم، إلى حدّ اعتبار اوساط سياسية رفيعة على صلة برئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، إذ إنّ ترابط الأزمات قد يشهد تجزئة على خلفيّة تقدّم الحلّ المشترك بالتوازي في كلّ من سوريا واليمن، بما يرفع عندها من الاقتراب نحو حسم هذا الاستحقاق بانتخاب رئيس للبلاد.

لكن أي رئيس سيكون للبنان يومها؟ وما هي هويّته السياسيّة؟

تجيب الأوساط السياسيّة الرفيعة بأنّه في حال شمل الحلّ في المنطقة معالجة سلاح حزب الله ودوره العسكري في المنطقة وفي لبنان فإنّ رئيس الجمهوريّة عندها سيكون من الذين يطمئنّ إليهم الحزب، وسيكون عندها رئيس البلاد نتاج تذكيته.

أما في حال كان لبنان لا يزال في مرحلة إنتقاليّة، فإنّ الرئيس المقبل سيكون غير رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيّة، لكون كلّ منهما عطّل وصول الآخر إلى قصر بعبدا. وستتجه الأنظار نحوالمرشحين الطبيعيين كقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة.

لكن ماذا سيكون موقف العماد عون يومها، نظراً لتمتّعه بدعم وتأييد كلّ من حزب الله والقوات اللبنانيّة لترشيحه؟

تجيب الاوساط المقربة من الحريري أنّ الواقع السياسي الحالي يقرّ بأنّ وصول عون إلى بعبدا هو أمر مستحيل حصوله، وهذا لا يعني أنّ حظوظ فرنجيّة تتقدّم عليه، لكن ثمّة معطيات تنمّ عن عدم امكانيّة انتخاب رئيس جديد على ضوء ربط النزاع بين الأزمتين اللبنانيّة والإقليميّة. بحيث يؤدي وصول عون إلى بعبدا تحدياً للفريق الآخر الذي يدعم فرنجيّة والعكس صحيح.

لكن ما يجب التوقّف عنده هو أنّ ساعة التسوية الإقليميّة لن يكون أحد على الساحة اللبنانيّة قادراً على توقيف مندرجاتها تتابع الاوساط خصوصاً إذا ما كانت نتاج تفاهم سعودي إيراني حينها، والمرتقب لها أن تحصل بعد نحو ستّة أشهر من اليوم تقريبا استنادا الى التلاقي الأميركي - الروسي حيال تنظيم خلافات المنطقة وعلى وقع مسار معالجة أزمات كلّ من اليمن، العراق، وسوريا. إذ عندها لا يمكن مواجهة هذا التفاهم خصوصاً إذا ما انخرط في ترجمته حزب الله. بحيث لن يكون بمقدور عون رغم موقعه او اي قوى اخرى وضع أي «فيتو» على أي مرشّح كان.

وفي هذا السياق، تلاحظ أوساط مراقبة كلاماً جديداً في محور عون يدور حول شكواه من العزلة التي تُـمارس علـيه من قِبل الفريق السياسي المعارض له رئاسياً، ولم يخفِ التعبير عنه مراراً الوزير السابق كريم بقرادوني من خلال مواقف إعلاميّة مفادها أنّ الفريق المعارض لعون لم يبـحث معه حتى حينه أي بديل مقنع له يعطي المســـيحيين دوراً فاعلاً من خلال قانون انتخابي عادل أم من من خلال قانون إصلاحي قضائي عادل لمواجهة الفساد. في موازاة عدم اخفاء مقربين من عون في مجالسهم انزعاجهم مما يطاله من تطويق عدا أنّ الحريري علّق النقاش الرئاسي معه منذ عمليّة «عاصـفة الحزم» السعوديّة، مستنداً بذلك إلى توازنات جـديدة فرضت نفسها على الساحة الإقليميّة، وحتى أنّ عـــون نفسه لا يخفي منذ قوله أنّه تلقّى وعداً أن يرســـل إليه الحريري موفداً لاستكمال النقاش بعد زيارته لواشنـــطن، العام الماضي، لكن كلّه ارتبط بالواقع العربي الجديد بعد العمليّة السعوديّة.ولم تعد الأمور الى مرحلة «شهر العسل» الذي رافقت تشكيل الحكومة الحالية

لذلك، تقول الأوساط المقربة من الحريري بأنّه لا داعٍ في الوقت الراهن للتحاور مع عون حول مغادرته الحلبة الرئاسيّة ومناقشة مطالبه. طالما لم يبدأ بعد العدّ التنازلي للتسوية الإقليميّة الدوليّة، التي ستتوّج بانتخاب رئيس للبلاد.

أمّا في ما خصّ فرنجيّة وموقف الحريري الداعم لوصوله إلى بعبدا، تقول الأوساط بأنّ رئيس تيار المستقبل لن يتخلّى عن خياره في هذا الوقت مراهناً على احتمال وصوله على وقع التسوية الخارجيّة، لكن لا يعني ذلك أنّ الحريري لا يدرس خطواته ويعي مدى ارتفاع حظوظ مرشّحه الرئاسي حاليا ، إذ يقود الأخير عمليّة «كباش» في مقابل الثلاثي عون، أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. لكنّ زعيم المستقبل يبقى الأكثر استعداداً لملاقاة تسوية تحمي النظام الحالي وتحيي مؤسساته.

وتكشف الأوساط بأنّ الحريري لا يميل إلى رفع درجة المواجهة مع الجانب المسيحي المتمثل بالثنائي عون وجعجع، على خلفيّة جدول أعمال الجلسة التشريعيّة لناحية تمسُّك التيار والقوات بضرورة إدراج قانون الإنتخابات كشرط أساسي لمشاركتهما في موازاة رفض رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أي تشريع لمجلس النواب في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة ولذلك لن يقبل زعيم السنة باستغياب الشريحة المسيحية عن الجلسة

وتشير الاوساط إلى أنّ الحريري وحلفاؤه من أركان طاولة الحوار سيعبّرون عن عدم ممانعتهم في جلسة الحوار المقبلة إدراج قانون الإنتخاب على جدول الجلسة لدراسته، في خطوة تهدف لتطويق التشنّج القائم في البلاد وعدم رفع سقف «الكباش» بين الحريري من جهة وبين عون وجعجع من جهة اخرى وتصوير الامر وكأنه استهداف للمسيحيين. اذ لا مانع من مناقشة قوانين الانتخاب وإرجاء البت فيها، لكن الحريري لن يتخلى عن التزامه وعلى من يرفض ادراج قانون الانتخاب على جدول الجلسة اعلان موقفه دون الاحتماء به.