كأن بائع الكاز العربي الكبير، لم يعجبه من اباطرة التاريخ سوى الإمبراطور الروماني كاليجولا، الذي حكم من عام 37م حتى عام 41م تاريخ قتله.

كاليجولا العربي، مأخوذ بثرواته وجنون عظمته، وذهب به الأمر إلى حد القيام بالأعمال المرعبة التي يعتقد أنها كفيلة بتطويع الرعية وما بعد بعدها، وفق إشارة بنانه، لدرجة أنه يتقمص تلك الشخصية غريبة الأطوار التي حكمت روما قبل 1979 عاماً.

كاليجولا الأصلي، سعى لطلب القمر، لأن هذا الكوكب من الأشياء التي لا يملكها، وحينما اكتشف عجزه عن تحقيق هذه الرغبة، حزن حزناً شديداً، كما بكى بكاء مراً حينما اكتشف عجزه، رغم سلطاته وطغيانه وقوته، عن إجبار الشمس على الشروق من المغرب.

وهذا الطاغية تفنن في سرقة الشعوب التي كانت الامبراطورية الرومانية تفرض سيطرتها وأطماعها عليها.. إذ نقل على سبيل المثال لا الحصر، آثاراً فرعونية من مصر، وأبرزها مسلة تحتموس الثالث.. وأباح السرقة العلنية، لكن شرطها أن تكون من أجله وحده، كما منع نقل الإرث من الأغنياء الى ذريتهم، فالإرث لكاليجولا وحده.. ولهذا قتل وفظّع بأسر وعائلات، واستولى على ثرواتهم وأملاكهم.

رغم الجنون الفاقع للإمبراطور الروماني الثالث، إلا أنه كان له المؤيدون والمصفقون والمتحمسون.. والدجالون أيضاً، الذين عظموا أعماله، واعتبروها فذة ونادرة وعبقرية، تحت قرص الشمس..

وجنون العظمة وصل به إلى التلاعب بمشاعر الحاشية والأذناب الذي زينوا له جنونه عبقرية، وطغيانه رحمة، وقسوته سلاماً، فصاروا يصفقون ويهتفون له طمعاً بدور أو مكانة أو حظوة، أو ثروة.

ووصل الأمر بالأمبراطور الطاغية إلى حد أن دخل مرة إلى مجلس الشيوخ ممتطياً صهوة جواده العزيز"تانتوس" ولما ابدى أحد الاعضاء اعتراضه علي هذا السلوك، قال له "كاليجولا" انا لا ادري لما ابدى العضو المحترم ملاحظة علي دخول جوادي المحترم، رغم أنه أكثر اهمية من العضو المحترم فيكفي انه يحملني! وطبعا كعادة الحاشية هتفوا له وايدوا ما يقول فزاد في جنونه واصدر قرارا بتعيين جواده العزيز عضوا في مجلس الشيوخ! وطبعا هلل الاعضاء لحكمة كاليجولا في تعبير فج عن النفاق، وانطلق كاليجولا في عبثه الي النهاية فاعلن عن حفلة ليحتفل فيها بتعيين جواده المحترم عضوا في مجلس الشيوخ وكان لابد على اعضاء المجلس حضور الحفل بالملابس الرسمية. ويوم الحفل فوجئ الحاضرون بأن المأدبة لم يكن بها سوي التبن والشعير! فلما اندهشوا قال لهم كاليجولا انه شرف عظيم لهم ان يأكلوا في صحائف ذهبية ما يأكله حصانه وهكذا اذعن الحضور جميعا لرغبة الطاغية واكلوا التبن والشعير! الا واحدا كان يدعي "براكوس" رفض فغضب عليه كاليجولا وقال "من أنت كي ترفض ان تاكل مما ياكل جوادي واصدر قرارا بتنحيته من منصبه وتعيين حصانه بدلا منه" وبالطبع هلل الحاضرون بفم مليء بالقش والتبن واعلنوا تاييدهم لذلك الجنون!

حال، امبراطور الكاز العربي الآن لا يختلف كثيراً، فهو يظن أنه بثرواته واطلاقه موجات الترغيب والترهيب والتكفير، سيجعل الكل يخشى غضبه، فعلها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ضد جمال عبد الناصر.

وفعلها في آخر السبعينيات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي ضد حافظ الأسد، وكشف عن عدائه لكل مقاومة ضد المشروع الصهيوني، وكان وما زال يستغل سيطرته على أطهر أرض، ليستغل الدين الحنيف ضد كل ظاهرة تواجه العدو الصهيوني وحماته، فبشر بالحلف الإسلامي في الخمسينيات والستينيات، وفقاً للمفهوم الأميركي، للتصدي لحركة التحرر العربية، وفي الثمانينات وفي غمرة الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان المشروع السعودي في فاس عام 1981 تم كرره عام 1982، بالإعتراف بالعدو في ما يسمى "مشروع قمة فاس".

ومبادرات السلام أو الاستسلام مع العدو لم تتوقف، تذكروا قمة بيروت عام 2002، ومشروع الأمير عبدالله، وهل يمكن لأحد أن ينسى وصف مجلس الوزراء السعودي في حرب تموز 2006 للمقاومين بالمغامرين، وتذكروا حوار الأديان الذي دعا إليه الملك الراحل عبدالله آل سعود وشيمون بيريز.

في غمرة "الربيع العربي" الذي بدأ قبل أكثر من خمس سنوات، اتخذ مشروع الامبراطور كاليجولا العربي شكله السافر في العدوان، فأعلن دعمه لكل الإرهاب التكفيري من أجل اسقاط خط الحضارات الإنسانية من بلاد الرافدين إلى بلاد الشام إلى مصر.. إلى اليمن صاحبة التاريخ العريق التي شيد فيها أول سد مائي قبل سبعة آلاف سنة (سد مأرب) وبنيت فيها قبل آلاف السنين ناطحات السحاب، (صنعاء القديمة).

لكن براكوس الذي صرخ في لحظة يقظة في وجه كاليجولا عام 41، فانتبه الناس إلى حالهم، وثاروا عليه ودهسوه مع حصانه "تانتوس".. سورية صمدت وتنتصر، اليمن تواجه وتقاوم وتضع الطغيان في المأزق.. صدق رسول الله: "اللهم بارك لنا في يمننا وشامنا".