في قرية زَنوبيا، وزَنوبيا اسمٌ مُستعار لقريَةٍ أو لِقُرَىً لبنانية، ينشط سماسرة المُرَشّحين للإنتخابات على اختلاف أنواعها، لشراء الأصوات. والصوتُ بالمفهوم السياسي للكَلِمة هو مُنتَخِب، وبالمفهوم الفلسفي هو شخص، وبالمفهوم الديني هو إنسان. وفي قريةِ زَنوبيا، ينشَطُ شراء الإنسان.

أما السعر المُفترض للصوت، للمُنتَخِبِ، للشخص، للإنسان، فإنّه، وبحسبِ لائحة سماسرة الأصوات، سِعرُ حيوان، وبالتوسُّع، نَخجَلُ من القول بأنَّ سِعر بعض الحيوانات أغلى. نعم، في قرية زَنوبيا يُشترى الإنسان بسِعر حيوان رخيص. وعلى الرغم من أن هذا الأمر غير جائزٍ أخلاقيّاً ولا دينيّاً ولا سياسياً، ذلك أنَّ القواعد التي تتحكم بالثلاثة تمنع هذا الفعل القبيح، يبقى مِن المُرَشّحين مَن يُصِرُّ على الشراء، ويبقى مِن المُنتَخِبين مَن يُصِرُّ على المبيع.

وبين المُرَشَّح الشاري والمُنتَخِب البائع أوجه شبه؛ فالأول ساقِط والثاني ساقِط. الأوَّل مُحتَقِر والثاني قانِع. الأول ينظُرُ إلى الإنسان من زاوية الأشياءأي كَمِثل أيِّ شيء موجود، وفي هذه الحالة، لَن يكون للإنسان لديه سوى قيمة بَخسة، وبالتالي قابلاً للتقويم بسعرٍ مُعَيَّن، على ما يقول الفيلسوف ​إيمانويل كانط​ Kant، وهو ما يُفسّر جُرأة بعضِ المُرشّحين على بعضِ المُنتَخبِين. والثاني يعيش حالة "الإغتراب السلبي"، التي تجعله يُقارب الأمور من زاوية المنفعة الخاصّة، أي الربح والفائدة ليس إلاَّ، ولو على حِساب القيمة والمعيار. فالقيم السائدة غير ذات معنى إلا بقدر ارتباطها بالمكاسب والأرباح.

في مفهوم الفيلسوف كانط، إنَّ الخاصيّة التي يتميَّز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، والتي يستحقُّ من خلالها لَقَب "شخص"، هي الخاصيّة الأَخلاقيّة. وهذه الخاصيّة تُشكّل المعيار الذي تُحَدَّد من خلاله قيمة الشخص السامية التي تجعله فوق الثمن المادّي، وغايةً في ذاته يمتلك كرامة تفرض على الآخرين احترامه والتعامل معه على قاعدة المساواة. ومتى تَدهورت هذه الخاصيّة الأخلاقية، تدهورت معها القيمة وأثّرت بشكلٍ مباشر على نظرة الإنسان إلى ذاته وإلى الآخر، وبات كُلُّ شيء عُرضةً للإبتذال، حتى الإنسان نفسه.

ولكي يبقى الإنسان شخصاً له ما له من كرامة ترفعه وتُميّزه عن سائر الكائنات، ولكي لا يفقد صوت الإنسان قُدرته على التأثير الإيجابي في القضايا ذات الصلة به وبحياته ومُستقبله، يجدُر بالمُرَشَّح الشاري أن يتوب عن شراء الإنسان، وبالمنتَخِب البائع أن يتوب عن بيع نفسه، وبالدولة أن تقتصَّ من هذا وذاك ومن الوسيط بينهما، لئلا يسقُطُ العنوان: "إنماء الإنسان"، وتسقُط الدولة الفاضلة القادرة على رِعاية الإنسان، ذلِك أنَّ مَن يشتري الإنسان بثمن حيوان، سُرعان ما سيبيعُه بثمن حيوان.