تجاوزت الرابية ومعراب حقل الألغام التي زرعها لهما المشككون في جدوى نواياهما والضاربون على وتر التشطيب. بدت المعركة في ساعاتها الأولى “تشطيبية” بامتياز قبل أن يصيح الديك فجر الأمس مانحًا العونيين والقواتيين شهادة في “الوفاء".

رغم أن لوائح حزب الله في البقاع والهرمل حملت عنوان “الوفاء”، بيد أن هذا العنوان كان يليق أيضًا باللوائح المشتركة التي نزل فيها التيار والقوات “عالأرض” فكان لهما ما أرادا أو ما يتجانس مع ورقتهما الشهيرة.

زحلة أقوى الاختبارات

خذلت الرابية ومعراب أمس الأول في المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية جميع المراهنين على عدم نجاحهما معًا، لا بل على تمزيق عقد زواجهما حديث العهد. بدت زحلة بشكل خاص بمثابة الاختبار الأول الفعلي لهما لا بل الاستحقاق القابل للإنجاز والكفيل بامتحان مدى جدّية تحالفهما على أرض الواقع. لم تكن بيروت معيارًا حاسمًا خصوصًا أن قطعة الجبن الأكبر فيها تذهب الى الخيار المستقبلي-السني، بيد أن زحلة حملت نوعًا من جس النبض في معركةٍ حقيقيّة انضمّ فيها الى الثنائي المسيحي الكتائبيون ليرسموا صورة واضحة عما يمكن أن يحققه “هذا التريو” الماروني متى قرّر توحيد الكلمة والصفّ.

تعميم التجربة...

بحذرٍ كان المراقبون ينظرون الى انتخابات زحلة وتحديدًا الى مفاعيل التحالف العوني-القواتي، لا سيّما أنه كان هناك إيمانٌ بأن فشل الفريقين في عروس البقاع سينعكس فشلاً معمَّما على تحالفهما في باقي المناطق التي تشهد معارك ضاريةً بين الأحزاب والعائلات. أفلح الاختبار في زحلة وكذلك جزئيًا في بيروت التي تسلّق فيها أبناء “البيارتة” على خصومهم بأصواتٍ سنيّة بعدما خذلهم المزاج المسيحي لصالح “بيروت مدينتي” وليست أرقام الدائرة الأولى (الأشرفية-الرميل-المدوّر) سوى خير دليل على عدم تماهي المكوّن المسيحي تمام التماهي مع اللائحة البيروتية التي تبدو فيها “البصمة الحريرية” جلية جدًا. تلك اللاقناعة هي ما يفسّر حقيقة التشطيب الذي شهدته مناطق الأشرفية، من دون أن يكون كفيلاً بإحداث خرقٍ أو تهديدٍ جديّ للائحة كانت تُسقَّط في الصندوقة الاقتراعية “زيّ ما هي” رغم وجع نسبة التصويت المنخفضة والمقلقة.

"نحارب من الداخل"

وصلت الرسالة التي أراد القواتيون والعونيون نقلها الى حلفائهم وخصومهم في لائحة الأضداد، فهم الذين أرادوا أن يحاربوا من الداخل، حملوا رسالة أقوى صدًى في زحلة. هناك، بدت المشهدية مختلفة. في جعبة عونيي المنطقة وقواتييها كثيرٌ من التحدي والتشويق اللذين أغريا الكتائبيين فقرروا الانضمام من دون أن تُشيح خطوتهم تلك الأنظار عن مدى التزام الرابية ومعراب بعهدهما بأن تكونا معًا في السرّاء والضرّاء وبألا “تغشّا” في أول اختبار فعليّ لقوتهما في الشارع المسيحي الذي بدا متعطّشًا لوحدتهما وبرهن ذلك تصويتيًا في مختلف أقلام زحلة حتى الكاثوليكية منها التي كان مرجحًا صبُّها بكليّتها للائحة سكاف.

احتفال "العرابَين"

كما يجيد العونيون والقواتيون تظهير ظفرهما الأول في المرحلة الأولى على أنه دليلٌ قاطع على متانة تحالفهما، يعرفون خير معرفة تسويغ عدم رسوّ تحالفهما في مناطق عدّة على قواعد موحّدة. وعلى إيقاع احتفال جمهوري الفريقين اللذين بدآ يقتنعان أكثر فأكثر بثمار تفاهمهما وتوسّعه الى النطاق البلدي والاختياري، كان لعرّابَي تلك “الصُلحة” والتفاهم الخطّي ابراهيم كنعان وملحم رياشي موقفاهما أيضًا، بحيث احتفل الأول بصورةٍ مسبقة على “تويتر” مباركًا للائحة الزحلاوية الائتلافية، فيما آثر الثاني إسكات المصطادين في الماء العكر بتأكيده أن الأهم من عدم تحالف التيار والقوات في مناطق محددة عدم اختلافهما في هذه المناطق.

جبروت العائلات

أما بعد بيروت وزحلة، فالعيون كلها تتّجه الى قرى ستواجه فيها الرابية ومعراب معًا جبروت العائلات المدعومة في بقع عدة من خصوم السياسة، كما حصل في زحلة حيث يفسّر دعم حزب الله للمرشحين العونيين حصرًا على لائحة “إنماء زحلة” تصدُّر مرشّحي التيار الوطني الحر. علمًا أن أبناء الرابية لم يقطفوا هذا الإنجاز في السياسة بقدر ما عوّلوا على تفهّم حليفهيم الدائم (القوات) والظرفي (الكتائب) موقفَ حزب الله واستراتيجية تصويته التي لم تقلب المعادلة ضدّهم. وإذا كانت جونيه أمّ معارك جبل لبنان، فلن تكون جزين سوى أم معارك الجنوب، لا سيّما أنها تحمل اختبارًا أكثر صعوبةً وتعقيدًا للتحالف العوني-القواتي في ظلّ وجود لائحةٍ ثانية “منشقّة” عن البرتقاليين لآل الحلو، وثالثة مدعومة من النائب السابق سمير عازار.

تجاوز المسابقة الأولى

إذًا، نجحت الرابية ومعراب في المسابقة الأولى من الامتحان الرسمي. أثبتتا أنهما حفظتا الدرس جيدًا وأن باقي المسابقات ستكون سهلةً عليهما طالما أنهما ستقاربان كلّ الأمور بالمنطق عينه. لم يكن سهلاً عليهما إقناع القاعدتين بأن نواياهما جديّة وصافية هذه المرة وبأن ما هو أكبر من المصالح الانتخابية يجمعهما، وربما لن تفلحا في ذلك أبدًا، ومع ذلك تداخلت الأعلام البرتقالية والقواتية في احتفالات ليل أمس الأول ونهار أمس. فهِم جزءٌ يسير من الجمهوريْن أنه محكومٌ عليهما بالاتفاق كي لا ينهش من يدّعي أنه “شريكٌ في الوطن والمواطنة” حصصهما من كلّ مرافق الدولة وأسلاكها. فهم جزءٌ يسير من الجمهوريْن أنه لا بدّ من أن يقتنع بذاك التحالف الذي استعرض عضلاته في زحلة بمعونةٍ كتائبيّة وسيفعل ما هو أبعد من ذلك من دون تلك المعونة في مناطق أخرى لثلاثة آحاد متعاقبة، الى أن ينتهي الامتحان البلدي ويستهلا معًا مسيرة تحالفيّة جديدة تمهيدًا لاستحقاقاتٍ مقبلة لن يكون آخرَها الاستحقاقان النيابي والرئاسي.