انتهت انتخابات بلدية بيروت بفوز لائحة "البيارتة" على خصومها، وفي مقدّمهم لائحة "​بيروت مدينتي​" الطارئة على المشهد السياسي. وإذا كان فوز "البيارتة" لم يخالف التوقّعات، فإنّ الأرقام التي أفرزتها النتائج حملت في المقابل الكثير من المفاجآت التي لم تكن سارة بأيّ شكلٍ من الأشكال للائحةٍ تكتّلت فيها كلّ الأحزاب تقريباً، بشكلٍ يمكن الجزم معه أنّ الفوز الذي تحقّق لا يرقى لمستوى الانتصار.

"النشرة" حصلت على جدول مفصّل بالأرقام التي حصدها المرشحون على لائحتي "البيارتة" و"بيروت مدينتي" بالإجمال، وفي كلّ دائرة على حدة من دوائر بيروت الثلاث. وتُظهِر هذه الأرقام أنّ الفارق بين صاحبة الرصيد الأعلى في لائحة "البيارتة" ​يسرى صيداني​، وصاحب الرصيد الأعلى في لائحة "بيروت مدينتي"، ​ابراهيم منيمنة​، لم يتجاوز الـ15513 صوتاً، في حين لم يتجاوز الفارق بين صاحب الرصيد الأدنى في لائحة "البيارتة"، إيلي يحشوشي، ومنيمنة، الـ7325 صوتاً.

ولا يمكن اعتبار الفارق في الأرقام كبيراً بتاتاً، خصوصاً أنّ لوائح "تيار المستقبل" اعتادت على الفوز على خصومها بفارقٍ كان يصل إلى الخمسين ألف صوت، ومن دون الانخراط في تحالفاتٍ موسّعة مع خصومه كما فعل هذا العام، حيث اجتمع وللمرّة الأولى مع "التيار الوطني الحر" في لائحةٍ واحدةٍ، رغم الخصومة الكبيرة بين الجانبين على كلّ شيء، وتحديداً على سياسات "سوليدير" التي ترأس مديرها العام ​جمال عيتاني​ لائحة "البيارتة".

ولعلّ المفارقة الأكثر من لافتة بالأرقام التي يُظهِرها الجدول المرفق تكمن في التفوّق الكبير الذي حققته لائحة "بيروت مدينتي" في دائرة بيروت الأولى، حيث الثقل المسيحي الواسع، إذ حقّق مرشحو اللائحة فوزاً في هذه الدائرة على جميع مرشحي "البيارتة" دون استثناء، بمن فيهم مرشحي "التيار" و"القوات" و"الكتائب"، الأمر الذي يستدعي من الأحزاب المعنيّة إعادة النظر بالحملة الانتخابية التي خاضوها، خصوصاً أنّ الانتخابات لو كانت نيابية وفق القانون الحالي لكانت أطاحت بها كلّها، بالنظر إلى الفصل بين الدوائر الثلاث، علماً أنّ الكثير من الهمس يدور حول عدم التزام الكثير من "المحازبين" بقرارات القيادة، وهذه نقطة أخرى يجدر بالأحزاب التوقف عندها ملياً.

وقد عوّضت دائرتا بيروت الثانية والثالثة، حيث الثقل الإسلامي ولا سيما السنّي، خسارة الدائرة الأولى، وهذا أمرٌ طبيعي وبديهي، ومع ذلك، يمكن التوقف أيضاً في هاتين الدائرتين عند الأرقام التي حقّقتها "بيروت مدينتي" والتي لا يجب الاستهانة بها، خصوصاً أنّ هاتين الدائرتين تشكّلان عقر دار "المستقبل" وبيئته الحاضنة الأولى، وبالتالي فإنّ الأرقام عبّرت في مكانٍ ما عن "تململ" حتى لدى جمهور "المستقبل"، علمًا أنّ جزءاً من هذا الجمهور لم يلتزم بشعار "زي ما هيي"، كما أنّ جزءاً آخر تعاطف مع مرشحين منافسين.

ولأنّ المواجهة التي خاضها "المستقبل" وحلفاؤه على وقع شعار "زي ما هيي" و"المناصفة الميثاقية" لم تكن مع أحزاب تقليدية، بل مع ناشطين من المجتمع المدني، أغلبهم طارئ على الحياة السياسية والعامة، فإنّ من الصعب الحديث عن "انتصار" لـ"البيارتة" بأيّ شكلٍ من الأشكال، ولو فازوا بالأكثرية المطلقة، بل يمكن القول أنّ لائحة "بيروت مدينتي" هي التي حقّقت الانتصار، وأنّها حقّقت "الخرق المطلوب"، بحيث وجّهت رسالة لأحزاب السلطة مجتمعةً، بأنّ الساحة لم تعد ملكَهم بالكامل، وبأنّ الناس تريد التغيير، وهو ما أظهرته نسب التصويت الضئيلة أيضاً التي، إن دلّت على شيء، فعلى حالة الإحباط التي وصل إليها الشعب.

في الختام، يمكن القول أنّ "البيارتة" فازوا بمجلس بلدية بيروت، لكنّ "بيروت مدينتي" فرضت نفسها منافساً من نوع آخر في قلب العاصمة، لتغيّر كلّ الموازين، وهي التي كانت ستفوز بحصّة وازنة في المجلس البلدي لو أنّ القانون النسبي هو المُعتمَد، وما على الأحزاب سوى أخذ العبرة، بعيداً عن محاولة رمي المسؤوليات على بعضها البعض، كما فعل رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ حين اتهم بعض "الحلفاء" بعدم "الالتزام"...