واخيراً، بات للبنان رئيس للجمهورية ولو بالوكالة، انما في البرازيل. فما عجز عنه اللبنانيون في لبنان، حققوه في البرازيل بعد وصول ​ميشال تامر​ وهو نائب الرئيسة ​ديلما روسيف​ الى المنصب الاول في البلاد، اثر قرار احالة روسيف الى المحاكمة بسبب تهم طالتها بالفساد.
وعلى عكس ما يمكن توقعه، فإن طريق تامر ليست مفروشة بالزهور، لانه يجد نفسه وسط بحر هائج من المشاكل ان على الصعيد الشعبي والسياسي او على الصعيد الاقتصادي وحتى الرياضي، وكلها امور تهدد باغراقه وربما انهاء حياته السياسية.
بداية، يواجه تامر تهمة "الخيانة" اذ يعتبر البعض انه انقلب على روسيف وانقض عليها حينما سنحت له الفرصة، فانقسم البرازيليون بين مؤيدين ومعارضين نسبة لموقفهم من روسيف. وبغض النظر عن هذا الوصف، فإن تامر سيجد نفسه مرة جديدة وجهاً لوجه امام روسيف بعد نحو ستة اشهر، حيث سيصدر القرار النهائي بحق رئيسة البرازيل، فإما عزلها كلياً فيتسلم تامر السلطة حتى العام 2018، واما اعادتها الى منصبها وهنا تحل الكارثة على اللبناني الاصل. فإذا عادت روسيف الى منصبها، ستكون متعطشة لـ"رد الدَين" لتامر وستجعله يدفع ثمن ما خاضته لأشهر، وقد تعمل على "عزله" سياسياً بكل ما اوتيت من قوة.
ولكن، ماذا لو تم تكريس نائب الرئيس رئيساً فعلياً للبرازيل حتى انتهاء ولاية روسيف؟ في هذه الحال، سيجد تامر نفسه امام مشاكل يصعب حلّها لعل ابرزها الصعوبات الاقتصادية، وهو لن يحمل بطبيعة الحال عصا سحرية لحل معضلة البطالة الكبيرة ونسبة النمو المتراجع واوضاع الطبقة الفقيرة التي تزداد سوءاً. واذا كان حزب العمال (الذي تنتمي اليه روسيف) والذي يحظى بتأييد معظم البرازيليين، لم يستطع التصدي لهذه العقبات، فما الذي سيحمله تامر في غضون اشهر قليلة وهو الذي ينتمي الى حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية؟ وعلى الرئيس الحالي بالوكالة ان يقلق من امكان وصول التحقيقات القانونية بشأن الفساد اليه، ولو انه لم يغرق بعد في هذه الوحول، وهو اعلن انه خارج هذه المشكلة، الا ان الكلام الصادر في وسائل الاعلام البرازيلية يفيد بامكانية تورطه، وبالتالي هذا ما يزيد من ضعف ثقة البرازيليين به.
قد ينجح تامر في خطوة وحيدة تتمثل باستضافة بلاده للالعاب الاولمبية الصيفية لاول مرة في تاريخها، ولكن هذا النجاح في بلد يعشق الرياضة عموماً وكرة القدم بشكل خاص، سيكون بمثابة ابرة مورفين ينتهي مفعولها سريعاً لتعود المشاكل وتطفو على السطح، علماً ان نجاح الالعاب الاولمبية ليس مضموناً بفعل الغضب الشعبي من حجم الاموال التي صرفت فيما الوضع الاقتصادي يأخذ المنحى في التدهور.
اما في السياسة الخارجية، فلن يجد تامر الوقت الكافي لنقلها الى مرحلة اخرى، وسيكتفي باتباع الخط الذي وضعته روسيف متفرغاً للسياسة الداخلية التي سيسابق الزمن من اجل انجاحها، اذا ما تمكن من ذلك.
المركب السياسي للرئيس بالوكالة يسير في بحر الرئاسة البرازيلية، وهو بحر هائج يهدد باغراق المركب ومن عليه، ولعل اكثر ما يمكن ان يقوم به هو ان يستعيد خصائص جذوره لجهة "ادراة الازمة" على الطريقة اللبنانية، فيعمد الى تدوير الزوايا مع الافرقاء الآخرين، وان يدعو ربما الى طاولة حوار لمناقشة سبل الخروج من الازمات.
قد يعتبر تامر ان وصوله الى رئاسة البرازيل بأي شكل من الاشكال هو فرصة واحدة لن تتكرر، لان عمره بات دقيقاً (75 عاماً)، وبالتالي عليه الاستفادة من هذه الفرصة قدر الامكان ومهما كانت التضحيات والصعوبات، فهل سينجح في رهانه ام انه سيغرق سياسياً؟