"الكلّ عندن بصمة وحدة وجزّين عندا بصمتين"... عبارةٌ تختصر المشهدية الجزينية في أحدها الحامي. الإبهام الأيسر ملطّخ بحبر البلدية والاختيارية، والإبهام الأيمن ملطّخ بحبر النيابية الفرعية. هنا للمعركة طعمٌ آخر. في المدينة الأم كما في القرى العذراء للمعركة طعمٌ آخر هذا العام مع تداخل الأعلام العونية والقواتية للمرة الأولى في تاريخ المنطقة الحافل بالمنافسات بين الطرفين والتي حُسِمت في معظمها لصالح البرتقاليين حتى غدت إحدى قلاعهم، وهو ما حصل تمامًا ليل أمس عندما أعلِن فوز أمل أبو زيد في المقعد الشاغر.

كلّ الأضواء على جزين. كل العيون على جزين. لم تُشِح صيدا التي احتدمت معركتُها البلدية النظر عن حقيقة تقول إن الجزينيين اقترعوا ثلاث مراتٍ خلف ثلاث ستاراتٍ ليجعلوا من معركتهم ثلاثية الأبعاد بامتياز: ثلاثية بطبيعة انتخاباتها النيابية والبلدية والاختيارية؛ ثلاثيّة بحقيقة تزاحم ثلاثة مرشّحين للمقعد النيابي الشاغر (أمل أبو زيد، ابراهيم عازار وصلاح جبران) مع ترشُّح رابع كانت له الحظوظ الدنيا (باتريك رزق الله). وثلاثيّة بواقع تحالفاتها التي فرزت وحدة حال بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية ومعظم العائلات في انتخابات المدينة بلديًا واختياريًا. ورغم أن الكتائبيين حُسِبوا على اللائحة الموحّدة بشخص ممثلهم إدمون رزق، بيد أنه كان سهلًا على العدسات أن تلتقط التجانس الحادّ بين مندوبي الكتائب ومندوبي المحامي ابراهيم عازار لا بل لجوء ممثلي الصيفي علنًا الى توزيع اللائحة التي يدعمها عازار بلديًا.

فدرالية...!

أشبه بانتخاباتٍ فدرالية بدت “فرعية” جزين أمس. فالثلاثية التي رافقت الانتخابات في كلّ تفاصيلها ومعاييرها لم تغِب أيضًا عن مناطق النفوذ المحسوبة على مرشحٍ دون سواه. أولاً، جزين مركز القضاء حيث بدت التوقعات الاستباقية تميل لصالح المحامي عازار خصوصًا أنه ابن المدينة علمًا أن أبو زيد حصد نسبةً مرضية من الأصوات فيها. ثانيًا، جزين العليا أي القرى التي تبدأ بكفرحونة وتمتدّ على طول الجغرافيا الجزينية وصولاً الى قرى الريحان، بدا الصبّ فيها شبه قاطع لصالح أبو زيد مع عدم إغفال الصوت الشيعي الذي كان مرجحًّا أن ينقسم بين أبو زيد وعازار وفق انقسام تقليدي للأصوات الموزعة بين حزب لصالح أبو زيد وأمل لصالح عازار. ثالثًا وأخيرًا، جزين السفلى أي القرى الأقرب الى صيدا وهي التي عوّل عليها العميد صلاح جبران لا سيما مزرعة المطحنة ومحيطها، علمًا أن وجود التيار الوطني الحرّ فيها كبيرٌ ولافت وهو ما يقع في خانة مرشّحهم الرسمي أمل أبو زيد.

سمتان لجزين...

الطريق الى جزين في ساعات الصباح الأولى لا تشي سوى بأجواء هادئة ومعتدلة شأنها شأن حرارة السماء، ولعلّ ذاك الاعتدال هو ما انعكس سمةً خاصة تُحسَب للقضاء برمّته تتجسّد في تسجيل النسبة الأدنى من المخالفات والحوادث على ما أكد أحد المراقبين لـ”​صدى البلد​”، في معرض المقارنة مع باقي الأقضية الجنوبية ومحافظات بيروت والبقاع وجبل لبنان. أما السمة الثانية التي اكتساها قضاء جزين في النهار الانتخابي الطويل فتجلّت في حفاظه على أعلى نسبة من التصويت مقارنة بباقي الأقضية الجنوبية ربما لأنه يحتضن انتخابات نيابية فرعية الى البلدية والاختيارية، وربما بسبب إيمان أهله بضرورة تثبيت واقع توق الكتلة المسيحية في لبنان الى ترسيخ نفسها كلاعبٍ أساسيٍّ على الساحة الانتخابية كما حصل في قضاء كسروان، ناهيك عن اختبار قوّة التحالف العوني-القواتي في ساحة مسيحية جديدة ما هي سوى عروس الشلال التي يُنظَر اليها على أنها المعقل الثالث للقاعدة البرتقالية بعد كسروان والحدت وأرض جذور العماد عون (المكنونية).

أوّل نائب شرعي

من مدخل جزين في كفرجرة الى آخر بقعة تابعة للقضاء في جبل الريحان، المظاهر الانتخابية واضحة وجليّة، يطغى عليها الاستحقاق النيابي بصورٍ كثيفة لأمل أبو زيد وابراهيم عازار مع وتيرة أخفّ لصلاح جبران. المعركة في جزين معركتان لا سيما أن القضاء سيخرّج أول نائب شرعيٍّ منتخبٍ وغير مُمدَّد له في برلمان العام 2009، وعليه كانت المسؤولية أكبر والتحدي مضاعفًا. جزين المدينة شكّلت كعادتها المحور، ماكينات المحامي عازار بدت ناشطة يقابلها حضورٌ قويٌّ لماكينتي التيار والقوات. ورغم الطابع الودّي الذي اكتسبته المعركة بيد أن الحديث عن رشًى لم يخفت في فترات الظهيرة الأولى مع الإلماح الى دخول جهةٍ غريبة على الخطّ هدفُها كما في كسروان كسر العماد عون في عقر داره. “يحلّ” القداس (ينتهي بتعبير جزيني) فيتوجّه الناخبون الى صناديق الاقتراع التي توزّعت على تكميلية جزين الرسمية للذكور وثانوية جزين الرسمية للإناث. الحديث عن مخالفاتٍ هزيل باستثناء صعوبة وصول الأشخاص المعوقين الى الطابق الثاني من كلتا المدرستين. الحماسة لا تغادر المكان لا بل ترافقها حتى ساعات الفجر الأولى، عندما يحتدم الفرز، علمًا أن الهمس في آذان رؤساء الأقلام كان صريحًا بإيلاء الأولوية للصناديق النيابية فرزًا. أما الترجيحات فكانت تصبّ في معظمها بأن ينال عازار في مدينته أكثر من أبو زيد.

الى مليخ... المغتبطة

الى مليخ حيث للمعركة طعمٌ آخر. تلك القرية الهادئة البعيدة مسافةً زمنيةً تلامس الدقائق العشر عن جزين تستعدّ لاستقبال أوّل نائبٍ غير مُمدّد له شاء القدر والإرادة السياسية أن يكون ابنها أمل أبو زيد. الرجل محبوب في أوساط قاعدته “المليخية” المنقسمة مناصفة بين المسيحيين والشيعة. في مدرسة البلدة الرسمية تجمهر المقترعون الذين خاضوا معركة بلدية واختيارية أيضًا بين لائحتين إحداهما مدعومة من أبو زيد نفسه. علمًا أن البلدة تحصي قرابة 2050 منتخبًا يقترع منهم في العادة 50%، على ما يؤكد موريس متى أحد مساندي اللائحة المدعومة من أبو زيد وحزب الله وأمل. وعلى بعد دقائق من مليخ، أي في القرى الشيعية والمختلطة وعلى رأسها كفرحونة حيث كانت المعارك السياسية غير واضحة بين حزب الله وأمل، ينتصر إيثار الحديث عن معارك عائلية صرفة بحيث يدعم جزءٌ من حزب الله وأمل لائحة فيما يدعم جزءٌ آخر من الحزبين نفسيهما اللائحة الثانية.

هنا تهاوى التمديد

أكثر من 58 ألف ناخب مسجلين على لوائح الشطب في قضاء جزين اقترع ما يربو على نصفهم أمس ثلاث مرات. لم تنَم جزين مركز القضاء ولا القيمون على الماكينات الانتخابية للائحتين البلديّتين (نحنا لجزين، والإنماء أولاً) اللتين تلصَّص الاستحقاق النيابي عليهما فأخمد أضواءهما قبل أن يُعيدها إليهما مع إعلان فوز أبو زيد واحتفال التيار في حضور رئيسه جبران باسيل. أيًا يكن يبقى الأكيد أن التمديد تهاوى على أعتاب سيّدة المعبور، فما عاد له مطرحٌ في البرلمان بعدما أكملت جزين عديد مجلس النواب وأسقطت معه كل الذرائع لتفتتح معركة الانتخابات النيابية وقبلها القانون العادل.