كان لافتاً قبل أسابيع مقال لمدير مركز الأبحاث القومي في "الدولة العبرية"؛ الجنرال الصهيوني عاموس يادلين، في جريدة "يديعوت احرونوت"، الذي شدد فيه على ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب على سورية، من خلال الانخراط المباشر لجيش العدو في الحرب العدوانية الكونية على سورية.

يادلين، وهو بالمناسبة كان مديراً سابقاً للاستخبارات العسكرية الصهيونية، يعود إلى التجربة الصهيونية مع لبنان بإحيائه فكرة الشريط الحدودي المحتل الذي بدأ مع الرائد العميل المسرطن سعد حداد واللواء الخائن انطوان لحد، لكنه يطوره إلى ضرورة انبثاق هذا الشريط بالتعاون مع الأردن مباشرة، وبتنسيق فعلي وعملي مع المملكة العربية السعودية سياسياً، من خلال مزيد من التواصل بين الرياض وتل أبيب، وهو ما بدأ يُترجم بأشكال متنوعة، من خلال اللقاءات المختلفة، وعلى شتى المستويات الدبلوماسية والسياسية والاستخباراتيه، وعسكرياً من خلال تشجيع المملكة العربية السعودية على ضخ المزيد من المسلحين ومساعدة المجموعات المسلحة مالياً وتسليحاً، بالإضافة إلى حضّ القيادة المصرية بتقديم شتى وسائل الترغيب والترهيب، لدفعها نحو العداء مع دمشق؛ على نحو ما كان عليه زمن "الإخواني" محمد مرسي، وفي كل الحالات، إذا ما مانع الرئيس المصري في ذلك، يكون دفع مصر نحو مزيد من التوترات والخضات، لأن لـ"مملكة الكاز" تأثير على المجموعات الإرهابية التي تعمل في شمال سيناء، وهو ما يلاحظ تصاعده رغم منح الملك سلمان الدكتوراه الفخرية، وإعلان السيسي عن تنازله عن الجزيرتين، وكل ذلك ترافق مع إعلان الكيان الصهيوني ضم هضبة الجولان.

العودة إلى المشروع القديم - الجديد وطرحه من قبل واحد يعتبر من كبار واضعي السياسات الصهيونية في المنطقة، جاءت في وقت بدأ الجيش السوري وحلفاؤه يحققون انتصارات نوعية ألحقت أفدح الخسائر بعصابات الإرهاب والتوحّش والتكفير، المتعددة الجنسيات، وفي وقت برز تعثُّر بائع الكاز العربي الكبير في شتى المواجهات والمشاريع، سواء على المستوى الداخلي، حيث فضحت تطورات الطبيعة حقيقة الإنشاءات والبنى التحتية، فعشر دقائق من الأمطار الغزيرة خرّبت كل البنى التحتية في جدة وغيرها، إضافة إلى الخسائر البشرية، والمادية التي قُدِّرت بالمليارات، بالإضافة طبعاً إلى الصراعات الداخلية بين أجنحة الأسرة الحاكمة، بشكل بات أولاد سلمان، وعلى رأسهم ولي ولي عهده نجله محمد، يخشون من أي هدنة في الصراعات الداخلية المحتدمة على النفوذ والسلطة والشركات، وهذا ما ينعكس على المستوى الخارجي في الميادين التي أسهموا في إشعالها، ويشاركون فيها براً وبحراً وجواً بشكل مباشر، كحال اليمن، أو غير مباشر كحالهم في سورية والعراق، من خلال دعمهم العصابات الإرهابية وتسليحها وتمويلها، أو كحالهم في مصر، حيث ما زالت المهمة الكبرى أمامهم إبقاء أرض الكنانة في صراعات دائمة ومستمرة، ومن هنا يأتي تمويلهم للإرهاب من جهة، والضغط على القيادة المصرية من جهة ثانية، من أجل ألا تلعب مصر دورها القيادي في المنطقة،والذي من شأنه أن يقلب مقاييس المنطقة.. وهنا يكمن بيت القصيد، لأن انتصار سورية واستمرار تحقيق الجيش السوري وحلفائه الانتصارات، يعني في نتيجته الحتمية احتمال تكيف القيادة المصرية مع انتصارات الأسد الميدانية، وفشل أهداف العدوان، خصوصاً أن "الإسرائيلي" وبائع الكاز يكتشفون بالملموس أن قادة غربيين ومسؤولين عرباً الذين تحدثوا طويلاً ومراراً عن رحيل الأسد، باتوا في عداد الموتى، أو رحلوا عن السلطة، وبقي الأسد، ومنهم على سبيل المثل لا الحصر: نيكولا ساركوي، وآلان جوبيه، والملك عبدالله آل سعود وابن أخيه وزير الخارجية سعود الفيصل، وقبلهما الأميران سلطان ونايف، والسجين محمد مرسي، وأحمد داود أوغلو، ونبيل العربي، وحمدا قطر.. وهلم جرا.

بأي حال، فيادلين يرى ضرورة للانخراط العسكري الصهيوني في الحرب على سورية وحلفائها، وضرورة انخراط الأردن ودعم السعودية لهذا التوجُّه، خصوصاً أن على الجبهة الفلسطينية ما يسمح بذلك، من خلال استمرار سلطة رام الله بالتنسيق الأمني مع العدو من جهة، وعدم اتخاذ أي موقف من جامعة الأعراب باتهام المقاومة اللبنانية وحزب الله بالإرهاب من جهة ثانية، وفي ظل الهدنة غير المعلَنة مع "حماس"، وعدم اتخاذ الأخيرة أي موقف بشأن الأكاذيب الأعرابية، خصوصاً السعودية، ضد المقاومة في لبنان، حتى أنها لم تصدر كلمة استنكار واحدة لاغتيال عميد الأسرى المحررين سمير القنطار، ولا القائد الجهادي مصطفى بدر الدين،إكراماً للدوحة والرياض من جهة ثالثة.

الحقيقة الواضحة التي ينطق بها يادلين، هي أن الحرب على سورية تخدم الكيان الصهيوني، الذي جنّدلخدمته وخدمة مصالحه، والتعويض عن هزائمه، بدءاً من أيار عام 2001 مروراً بهزيمته في تموز - آب 2006 وبحرب غزة، حكومات العدوان على الدولة الوطنية السورية، بقياة الولايات المتحدة الأميركية، وبالطبع بالمشاركة العملية لدول إقليمية، كالسعودية وتركيا وقطر.. وبعض الداخل اللبناني.

السيد نصرالله أكد في إطلالته الأخيرة أن الصراع في سورية مستمر، مشدداً على أن "الآتي هو الانتصار في سورية"، وهو ما أعاد عليه التأكيد في خطابه في عيد المقاومة والتحرير.