هناك مسائل وقضايا معلقة يثيرها الموقع السياسي والاجتماعي والثقافي، ونحن نعيش في واقع إنهيار المجتمع اللبناني، اذ انهارت فيه الأخلاق والكرامات، ومحو خصوصيات القيم للمجتمعات، وطمس حقائق تاريخية ومجتمعية متجذرة في العمق الحضاري للشعب، فتعالوا نعود إلى عقولنا وقيمنا ونرجع إلى تاريخنا الحافل بالمواقف التي تحفظ لبنان وأهله لنأخذ منه العبر الحافلة بالتضحيات القصوى والشامخة في سبيل لبنان...

أليس هذا هو الدرس السامي الذي أردنا أن نحفظه والحقيقة الناصعة؟! أليس هذا ما نريده من كل فئة أو طائفة في لبنان؟ نريدهم مواطنين مندمجين في مجتمعهم بشكل كامل. أوليس المطلوب التصدي لإحداث اي فتنة في المجتمع، ولا لتمييز فئة من سائر شركائهم في الوطن؟ نريد الإتحاد والإندماج والإنخراط اندماجاً كاملاً في المجتمع والوطن، والإنخراط في أرقى درجات الإلتزام الأخلاقي بقضايا الوطن والمواطنين.

إن الدولة وجدت من أجل الناس لا كمؤسسة منحازة لبعض المجتمع، وطاردة لبقية المجتمع، ليست دولة الجزء بل دولة الكل، وليست دولة الفئة الواحدة التي تزيد الشعب تنازعاً وتشتتاً وضياعاً...

إن وحدة فئة أو طائفة مع بعضها خطوة ناقصة إذا لم تقترن بوحدة لبنانيين لبناء وطن حقيقي ودولة حقيقية، فالمواطنة الحقيقية، والإلتزام بالوطن لا تتمثل بنص مكتوب، بل هي اكثر من ذلك، إنه عمل، عطاء، وإيثار، ووحدة الأفكار والقلوب، ووحدة الأهداف لدى كافة المواطنين، التي تبدأ من الإعتراف بالآخر وجوداً وفكراً...

جميعنا أخوة وننتمي إلى نفس الأرض ونفس الوطن، حقوقنا ذاتها ووجودنا إلى جانب بعضنا هو تمايز لبنان، والتعايش المشترك بين أبناء الشعب ثروة يجب التمسك بها، ومن أجل تحقيق الوحدة الوطنية علينا بإحترام بَعضنَا البعض وإحترام كل رأي ووجود، فإذا تحول التعدد الطائفي الى سلبية فهنا يكمن الخطر على كل أبناء الوطن.

فإذا نظرنا الى الطوائف على نطاق واسع ومتحضر نجد أن الطوائف المختلفة، المنظمة منطلقات للتعاون ونوافذ حضارية يجب التمسك بها وإحترام القيم الإنسانية، والحريات، والصدق أولاً مع أنفسنا بكل معنى للصدق والوفاء وهو ما يتبلور بالنصح والنصيحة الأخوية الصادقة لا المداهنة، والنفاق... وعدم التفريط بالولاء للوطن لخلق جو مناسب للتفاهم بحيث ننطلق نحو الوحدة الوطنية الحقيقية لكيان لبنان.

إن وحدة أبناء الوطن يجب ان تنطلق من حركة صادقة منضبطة وعلى قاعدة العدل والحق، وعلى أسس الحرية، والكرامة، والمساواة، والإندماج والتكامل والتعاون (وحدة الكلمة) منفتحة على تغيرات العصر، وتطورات الزمن، والمكان بعيد عن الفكر المتحجر، وبعيداً عن التعصب، والإنعزال عن الآخر الشريك في الوطن أو الإنطواء على الذات واجترار الماضي والبعد عن الإندماج الوطني...

لا نريد شعارات مرفوعة أو كلمة مكتوبة بل لتكون درب السلوك، انها البعد الأساسي للمستقبل.

أيها الشعب... ان مستقبل البلاد يحتاج الى تضامننا وإلى نضالنا والى وحدتنا والى الإستقامة على الحق وعلى الحرية، والمسؤولية التي كرمنا الله بها، نريد أن نسير في صف كل مظلوم وكل فقير وكل محزون الى جانب الشرفاء اللبنانيين، الناس الشرفاء البسطاء هم الأساس في المجتمع، ان هول الواقع الذي عاشته وتعيشه مناطق في لبنان تمركز فيها البؤس، والحرمان، والفقر، والتشرد، والتسول...

جميعنا على عِلْم أن الشعب محزون متألم، مجروح يريد الإنتقام، يريد ان تحفظ كرامته، وأنا أقول لا... نحن مختلفون مع اصحاب الأنانية والمصالح الذاتية، وفرض النفوذ... فلنصبر، ونسلك طريق الإستقامة من أجل لبنان الحر، بالصبر والحزم لنتمكن معاً من حمل مسؤولية الوطن، ولنصبح مؤهلين لأن نكون لبنانيين.

نريد السلام، والعدالة، والمحبة في المجتمع سواء في كنيسة او جامع او هيكل. نريد العمل السياسي والاجتماعي الذي يقوم على القيم والأخلاق والرشد والحكمة والتوازن والتعقل والعدل والكرامة، وكل ما هو مصلحة للإنسان ورفض الإنجرار الى التعصب والتفرقة، مثالاً واحداً من السلام، والمحبة والتصدي العميق من أجل عبور نظام الطوائفي لأنه شر مطلق على لبنان.

احفظوا وطنكم لبنان وفي قلبه مكان للجميع.

استيقظوا جميعاً وانبذوا كل ما يثير الفتن الطائفية، والشحن النفسية، فليسجل كل مواطن من جميع الطوائف اللبنانية موقفاً.

نريد مسؤولاً يعيش آلام الناس وحرمانهم، نريد مسؤولاً يسعى لنسج المحبة، والمودة الحميمة مع كل الفئات.

لا تبالوا بالتهديدات... أولستم على حق؟

هذا طريقكم... هذا شرفكم... رغم كل شيء.

إن الشعب اللبناني الصامد الأبي لن يبقى ظهراً ليركب ولا جسراً ليعبر... فهذا الشعب سيبقى مصمّمًا على المواجهة السلبية فلا يملك اي مسؤول او اي فئة حق الغصب والسرقة والتآمر في وعيها ووجدانها، هذا الباطل والفساد مرفوض... سيعود لبنان الى زمن التغيرات ويقتلع جذور الفساد والاضطهاد...

ان الدولة التي لا تريد تحمل المسؤولية ولا تحترم حقوق الإنسان، وهمها الوحيد الجشع والطمع وزعزعة الإستقرار، وسرقة ونهب التخريب في البلاد، وكيد المؤامرات لقد أخفقت في مشروع التنمية والبناء الاقتصادي، والثقافي والاجتماعي والسياسي... هي التي انهزمت امام التحديات والمخاطر الخارجية.

نريد دولة الانسان، نعم، هذه الدولة البعيدة عن الأنانية، والمصالح الضيقة... الدولة التي لا تتجاهل قيمة من القيم الثابتة، التي تربي أجيالنا على التنافس من أجل التطور والتقدم وترفض الصراعات من أجل السلطة او المنصب... هذه الدولة حتى لو امتلكت إمكانات محدودة وقدرات متواضعة، هي قادرة بتلاحمها مع شعبها وبتفاني شعبها في الدفاع عنها على مواجهة التحديات والمخاطر، فلنتجه بكل الطاقات والقدرات والكفاءات لتحقيق دولة الإنسان.