اذا كانت نتائج انتخابات جبل لبنان والبقاع والجنوب بمجملها متوقعة، فان نتائج الشمال خالفت كل التوقعات، فلا الثنائي المسيحي استطاع ان يحقق «التسونامي» المنتظر وان يصل الى حدود الى 60 بالمئة من التصويت المسيحي بدل الـ86 بالمئة التي حلم بها ووعدت بها استطلاعاته وتوقعاته لاجتياح المناطق المسيحية، ولا تحالف «المليارات» في طرابلس تمكن من تحقيق التسونامي واخراج ريفي من المعادلة الطرابلسية.

واذا كانت الاحزاب المسيحية تتجه الى لملمة خساراتها وتحديد المسؤوليات وما حدث واحتساب سلبيات وايجابيات ما انجزه تفاهم معراب بلدياً، فان تيار المستقبل هو اكثر من يفترض به مراجعة حساباته واجراء تقييم موضوعي ودقيق لتراجعه وتدهوره شعبياً، وهو الذي كان يعول بعد العودة القسرية للحريري على تحسين وضعيته السياسية والشعبية، فاذا بتيار المستقبل لا يتمكن من احصاء الضربات التي تلقاها في الانتخابات البلدية.

فبعد صفعة بيروت وتدني نسبة الاقتراع وفوز اللائحة المدعومة من الحريري بنسبة 20 بالمئة من اصوات البيروتيين، وبعد انتكاسة دعمه وتحالفه للسيدة ميريام سكاف وسقوطها في زحلة، اتت صفعة طرابلس المؤلمة للحريري والاكثر وجعاً، في حين ان حليفيه السنيين في اللائحة تلقيا الضربة نفسها، لكن اصابة الحريري اتت مختلفة اذ ثمة تصفية حساب بينه وبين القيادي الاقوى الذي خرج من المستقبل، ولان المعادلة من «بيت ابي ضربت»، في حين ان الرئيس نجيب ميقاتي الذي مني بخسارة في طرابلس حاول توجيه الامور باتجاه مختلف نحو التحدي وما سيحققه لاجل المدينة، فان الحريري لم يبلع موس خسارته الثلاثية في المحافظات الثلاثة المذكورة، واكثر ما يؤلم الحريري بدون شك كما تقول اوساط سياسية انه لم يتمكن من ضرب واسقاط ريفي الذي تمرد في وجهه اكثر من مرة فكان القرار باصدار فتوى عدم تمثيله، وهو الذي كان يعول على هذا الاستحقاق لتأنيبه وانهاء ظاهرته الشعبية في احياء طرابلس الفقيرة، فاذا بريفي يحقق التسونامي السني الذي عجزت عنه الاحزاب المسيحية في مناطقها، وان كان فوز المجلس البلدي الذي يدعمه ريفي بحسب الاوساط يطرح تساؤلات كثيرة حول الكثير من الامور مستقبلياً في شأن علاقته مع المستقبل وقيادة المدينة نحو التشدد والتطرف في مواجهة فريق 8 آذار خصوصاً وان بيان او مؤتمر الفوز لريفي لم يخلُ من الهجوم على محور ايران وحزب الله واعاد نبش الخطاب الثأري في السياسة من قتلة قيادات 14 آذار ويعني ذلك انتصار خطاب التشدد في المدينة في مواجهة خطاب الاعتدال الذي طرحه ثلاثي الحريري والصفدي وميقاتي.

بدون شك تضيف الاوساط، ان انتصار اشرف ريفي الذي صدم الجميع في طرابلس وخارجها والرأي العام ايضاً، فيما كانت اوساطه تتوقع اختراقات وتسجيل «سكور» مرتفع وهو الذي دأب على التجول ودخول المنازل الفقيرة في الميادين والميناء والشوارع الضيقة التي لم يزُرها اغنياء وقيادات طرابلس ابداً قبل هذا الاستحقاق ولا بعده، فان هذا الانتصار كرس ريفي رقماً صعباً على الساحة السنية وسيكون على المستقبل ان يحسب له حساباً في المواجهات القادمة اذا حصلت، فاشرف ريفي اثبت انه لا يشبه المصروفين من الخدمة او العمل السياسي في المستقبل، وتيار المستقبل سيكون امام امتحانات صعبة وخيارات كثيرة، فاما التسليم بحالته الشعبية والانتصار الذي حققه على الساحة السنية واستثمار هذا الانتصار لمصلحة التيار الأزرق خصوصاً ان ريفي لا يزال اكثر المتمسكين بمبادىء 14 آذار وبالمحكمة الدولية ومعاداة ايران وفريق 8 آذار وعدم السماح بوصول مرشح الى قصر بعبدا من 8 آذار، او ان يستمر بالمعركة ضده وبطرق ووسائل اكثر فعالية وفتكاً.

في مطلق الاحوال فان عودة ريفي الى المستقبل غير واردة في حسابات الطرفين تؤكد الاوساط، فلا الحريري في صدد التراجع والخضوع له، وريفي الذي انتصر بلدياً ليس من مصلحته وهو الفائز بالاستفتاء الشعبي ان ينهي ما بدأه في تمرده وحيداً واوصله الى الفوز، كما ان العودة الى احضان المستقبل صارت خاضعة لشروط تعجيزية من اللواء المتمرد الذي لن يقبل باقل مما طالب به سابقاً وما اشترطه وهو اعادة الاعتبار لحالته السياسية وما يمثله، والشروط السياسية التي لا يتنازل عنها والتي على اساسها خرج من المستقبل ولم يعد بعد.

واذا كان لا هذا ولا ذاك سوف يتحقق حالياً وربما مع تقدم الوقت تنجلي الصورة اكثر، فان ثمة من يعتقد ان الفوز في البلدية ليس كل شيء وان الانتخابات البلدية تتحكم بها العواطف والعائلية والعصبيات بخلاف الاستحقاق النيابي، وان فوز ريفي ضد التحالف السياسي الكبير في طرابلس لا ينطبق بمفاعيله على السياسة والانتخابات النيابية لاحقاً، اما الارجح قوله حسب الاوساط فهي ان الوزير المستقيل والمتمرد على زعيم تياره كسب الرهان وتمكن بخطابه الشعبوي من استقطاب جمهور المظلومين في طرابلس، وان المستقبل بدل ان ينهض، وتساهم الانتخابات البلدية في اعلاء شأنه وتصحيح وضعيته السياسية والجماهيرية انحدر اكثر الى الاعماق وغرق في الافخاخ التي نصبت له وما استدرج اليه.