منذ اللحظة الأولى لتوقيع كل من رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ "إعلان النوايا" من معراب، يتعرّض هذا التفاهم المسيحي لهجمات سياسيّة وإعلاميّة بالجملة من المُتضرّرين الكُثر. ومع ترجمة هذا التفاهم تحالفًا بين "العَونيّين" و"القوّاتيّين" في الإنتخابات البلديّة والإختياريّة، تضاعف المُتضرّرون، وتكتّل خُصوم وأعداء الأمس بعضهم مع بعض لمُواجهته. وما أن إنتهت الدورات الإنتخابيّة الأربع، حتى إنطلقت حملة إعلاميّة شرسة تتحدّث عن فشل هذا التحالف وعن ضعفه الشعبي وحتى عن سُقوطه، فهل هذا صحيح؟
لتقييم النتائج التي حققها التفاهم "العَونيّ-القوّاتي" لا بُد من مُقارنته بنتائج باقي الأحزاب على الساحة اللبنانيّة. وفي هذا السياق، من الملاحظ أنّ أكثر من طرف سياسي كان في السابق يتغنّى بشعبيّته وبتمثيله الواسع، خفّض سقف تعامله مع الإنتخابات البلديّة والإختياريّة، منعًا لتبيان وضعه الشعبي الحقيقي. ومثلاً، تعاطى "الحزب التقدّمي الإشتراكي" بليونة كبيرة مع الترشيحات والمنافسات في مناطق تواجده، فتحالف مع خصمه التقليدي، أي "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" في بعض الأماكن، ومع قوى حزبيّة وسياسيّة أخرى ومع فاعليّات محلّية وقوى عائليّة في بعض الأماكن الأخرى. وفي المناطق التي خاض فيها معارك، لم تكن النتائج باهرة، حيث تقاسم النفوذ مع "الديمقراطي" ومع غيره من القُوى أيضًا، بما فيها أطراف مسيحيّة في الشوف وعاليه، وسنّية في إقليم الخروب، إلخ. وفي حين إرتضى "الجنبلاطيّون" و"الأرسلانيّون" بتقاسم السلطة والنفوذ مع قوى عدّة، فإنّ الإنجاز الأبرز لتيار "التوحيد العربي" كان الفوز ببلدية الجاهليّة!
وبالنسبة إلى "تيّار المردة" فهو بدوره سارع إلى عقد تحالف إنتخابي مع "حركة الإستقلال"، ليقطع الطريق على أيّ دخول للتحالف "العَوني-القوّاتي" إلى قضاء زغرتا، حيث أنّ أيّ لوائح خاصة بالمردة كانت ستُواجه بلوائح مدعومة من معوّض والتحالف المسيحي بطبيعة الحال. وفي ما خصّ حزب "الوطنيّين الأحرار" فكان حُضوره يتراوح بين الضعيف والمعدوم في أغلبيّة المناطق، وهو لم ينجح في الفوز أيضًا في عقر دار رئيسه النائب ​دوري شمعون​ في دير القمر، على الرغم من التحالف مع خصمه المحلّي التاريخي الوزير السابق ​ناجي البستاني​. وبالنسبة إلى حزب "الكتائب اللبنانيّة" فإنّه إعتمد سياسة ذكيّة تمثّلت بالرهان على "الحصان الرابح" في أكثر من مكان، ليكسب "صيت ربح" لا يعكس حجمه الشعبي الفعلي وقُدرته التجييريّة. وعلى سبيل المثال، فإنّ لائحة "القبيّات بتقرّر" التي فازت بما نسبته 50,3 % من أصوات المُقترعين، خُرقت بعضوين من أصل 16 عُضوًا، وذلك على حساب سقوط المرشّحين الكتائبين الوحيدين على اللائحة المدعومة من النائب ​هادي حبيش​ والنائب السابق ​مخايل الضاهر​ وحزب "الكتائب". والنتائج التي حقّقها الحزب وحده في الإنتخابات البلديّة والإختياريّة محدودة، وأبرزها الفوز ببلديّة "سن الفيل" في مقابل السقوط في الحدت مثلاً، حيث أنّ أغلبيّة "إنتصاراته" تمثّلت ببعض المخاتير هنا وببعض الأعضاء البلديّين هناك، عبر الإلتحاق بلائحة قويّة مدعومة من جهات أخرى، لا سيّما في المتن الشمالي حيث لعب تصويت حزب "الطاشناق" إلى جانب اللوائح المدعومة من النائب ميشال المرّ دورًا حاسمًا في فوزها. وبالنسبة إلى "الحزب القومي السوري الإجتماعي" فالإنجاز الأبرز له كان في أميون، مع تسجيله حُضورًا في العديد من مناطق الشمال والمتن وبعض قرى الجبل، لكن من دون أن يرقى هذا الحُضور إلى مُستوى القُدرة على تحقيق الفوز إلا ضمن تحالف عريض.
وبالنسبة إلى "تيّار المُستقبل" ففوزه في بيروت كان ضعيفًا، وفي طرابلس إنقلب جمهوره عليه وصوّت للائحة منافسة مدعومة من اللواء أشرف ريفي تعبيرًا عن رفضه لسياسة التيّار الأزرق، وفي صيدا جاء فوزه مربوطًا بحسن إختياره دعم رئيس البلدية ​محمد السعودي​ المحبوب صيداويًّا، مع تسجيل تراجع ملحوظ لتيار المُستقبل في أكثر من مكان في الإقليم والبقاع وخُصوصًا في الشمال. وبالنسبة إلى "تيّار العزم" فهو لم ينجح في تشكيل أيّ حيثيّة شعبيّة قادرة على فرض حُضورها على الرغم من سنوات طويلة من التحضيرات اللوجستيّة. وبالإنتقال إلى "​الحزب الشيوعي​" فإنّ المجالس البلديّة التي فاز فيها بقوّته الذاتيّة تكاد تُحصى على أصابع اليد على كامل مساحة لبنان، مع تسجيل إستعراضات إعلاميّة. وفي ما خصّ "الجماعة الإسلاميّة" فإنّ حُضورها بدا متواضعًا في المعارك الإنتخابيّة، وأقل بكثير مما قيل أخيرًا عن نموّ شعبيّتها. ولا حاجة لذكر نتائج باقي الأحزاب، مثل أحزاب "البعث العربي الإشراكي" و"التضامن" و"رامغفار" و"هانشاك"، إلخ. لأنّ وجودها كان غير مرئيّ في الإنتخابات.
وقد يكون "حزب الله" و"حركة أمل" هما الأكثر أحقيّة بتقييم أداء تحالف "التيار-القوات" الإنتخابي، كونهما لا يزالان يحتفظان بقدرة تجييريّة كبيرة للأصوات في مناطق نُفوذهما، علمًا أنّه حتى "الحزب" الذي يستفيد من رهبة سلاحه ومن خدماته الإجتماعيّة المتعدّدة ومن تأييد عقائدي مذهبي في بيئته، و"الحركة" التي تستفيد من شبكة توظيف هائلة لأنصارها في القطاع الرسمي اللبناني، تعرّضا لمنافسة حامية في أكثر من منطقة، وزاحمتهما بعض العائلات والقوى المحلّية بشدّة.
وبالعودة إلى النتائج التي حقّقها التحالف الإنتخابي بين "التيار الوطني الحرّ" وحزب "القوات اللبنانيّة"، فهي قد تكون جاءت أقلّ من التوقّعات، لكنّها أثبتت قُدرتهما على الفوز في الكثير من المناطق على الرغم من تكتّل كل القوى المُتضرّرة في "بلوكات" موحّدة ضُدّهما. وحتى في المناطق التي خسر هذا التحالف فيها، أثبت أنه موجود شعبيًا وبقوّة، بحيث تكاد لا تخلو مدينة أو بلدة أو قرية مسيحيّة في لبنان دون وجود "عوني" أو "قوّاتي". وفي كل الأحوال، وحتى إذا كانت قراءة البعض لنتائج الإنتخابات البلدية والإختياريّة تتحدّث عن خسارة للتحالف "العَوني-القوّاتي"، فإنّ هذا الرأي لا يحول دون إستمرار المُطالبة بأنّ الطريق لإستعادة الحقوق المسيحيّة لا تمرّ إلا عبر توحيد جهود الأفرقاء المسيحيّين الأقوياء شعبيًا، أي حزبي "التيار" و"القوّات"، ما يجعل هذا التحالف مطلبًا يجب العمل على منع سقوطه، لأنّ فوز شخصيّة مسيحيّة محلّية ببلدية أو مخترة هنا، وفوز حزب مسيحي ببلديّة أو مخترة هناك لا تُعيد هذه الحُقوق، والأكيد الأكيد أنّ من كانت شعبيّته من زجاج عليه ألا يرمي "التيار" و"القوّات" بالحجارة!