في الرابية في هذه الايام تياران. الأوّل مفرط بالتفاؤل يؤكد أن الساعة التي طال انتظارها حانت وأن زعيم "التيار الوطني الحر" ميشال عون سيُنتخب رئيسا كحد أقصى نهاية شهر آب المقبل، والثاني متفائل بحذر يرفض تجرع الكأس المرة التي شربها قبل عام حين بدت كل المعطيات تشير الى اتفاق داخلي–اقليمي–دولي على انتخاب عون ما لبث أن تلاشى من دون مقدمات أو أسباب موجبة.

التيار الأول يعوّل على جملة من المستجدات فيحلل ويناقش ليؤكد أن ما كان قبل عام لم يعد قائما اليوم، وأنّه قد تكونت قناعة راسخة لدى مختلف الفرقاء في الداخل والخارج على حد سواء ان لا خيار لوضع حد لشغور سدة الرئاسة الا بانتخاب عون رئيسا. وتعدد مصادر هذا التيار العناصر الطارئة والتي برأيها تبدو حاسمة لجهة أن الرياح تسير أخيرا كما تشتهي السفن العونية، لافتة الى ان المؤشرات الأولى لتغيير اتجاه الرياح وصلت بعد اللقاء الأخير الذي جمع رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ بالرئيس الفرنسي ​فرنسوا هولاند​ في الاليزيه، ليليها "التطورات الايجابية الميدانية" التي طرقت أبواب سوريا والعراق وصولا لدعوة السفير السعودي ​علي عواض عسيري​ الأقطاب اللبنانيين وأبرزهم العماد عون الى دارته مؤكدا بذلك سقوط الفيتو السعودي الذي كان يكبّل ترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح".

وتشير المصادر الى أنّه تلا كل ذلك، المواقف التي أطلقها وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ والتي تمهّد لقرار "مستقبلي" قريب يصب لمصلحة ترشيح العماد عون، كما موقف رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ "والذي اعتدنا أن يلتقط الاشارات قبل غيره ليبني على اساسها سياساته المستجدة"، لافتة الى ان "هذه التطورات والتي تتقاطع مع ثبات حزب الله على موقفه من موضوع ترشيح العماد عون والهدنة التي يلتزمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كلها ترفع من نسب التفاؤل بشكل غير مسبوق، وهو ما نرجّح أنْ يُتوج قريبا جدا بتوجه العماد عون الى المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين في مهلة أقصاها نهاية شهر آب المقبل".

بالمقابل، يفضّل التيار الثاني في الرابية التزام الهدوء والتروي والتعاطي بكثير من الجدية مع المستجدات الحالية خوفا من التمادي في افراط يفاقم الاحباط المتمادي منذ أكثر من عامين. ويبدو أن لغة هذا التيار هي التي غلبت على البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لـ"تكتل التغيير والاصلاح" والذي أكد على مبدأ "الأبواب المفتوحة"، باشارة الى ان من يحمل أي طروحات جديدة عليه أن يطرق أبواب الرابية لعرض ما لديه على العماد عون. وتعوّل مصادر هذا التيار على موقف جديد وقريب لرئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري بعيد "المفاجأة الطرابلسية المدوية والتي تحتّم عليه العودة سريعا الى رئاسة الحكومة لشد عصب جمهوره واستعادة موقعه ورمزيته السابقة بعدما بات أهل بيته من ينافسونه عليهما". وتعتبر المصادر أن "أحدا لا يمكن أن يؤمّن عودة الحريري الى السراي الا في حال انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية". وتضيف: "الأمور قد تأخذ مزيدا من الوقت لتنضج، كما أنّها قد تتبلور بين ليلة وضحاها تبعا للرغبة والمخططات الدولية في هذا المجال، الا أن ما نحن مقتنعون به فان الرئاسة لن تكون منفصلة عمّا عداها من استحقاقات داخلية"، مرجحة أن يتم الاتفاق على سلّة واحدة تضع أسس المرحلة المقبلة، وتحدد بشكل خاص هوية رئيس الحكومة وقانون الانتخاب.

وحتى التحقق من المعلومات المتداولة عن فتح قناة اتصال بين بيت الوسط والرابية، يبقى التفاؤل العوني مشروعا اذا ما ارتكز على كل المؤشرات السابق ذكرها، مع وجوب التنبيه الى ان الافراط بالتفاؤل سيكون له نتائج كارثية، اذا ما تبين أن كل ما يتم ترويجه هدفه التمادي باحراق ورقة عون بعد اسقاط ورقة رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، لابراز أوراق رئاسية أخرى.