ليس تيار "المستقبل" وحده من يتعاطى بـ"ريبة" مع قرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحديد موعد لـ3 جلسات حوارية متتالية مطلع شهر آب المقبل، اذ يبدي معظم الفرقاء المتحاورين استغرابهم من الآلية الجديدة التي فرضت عليهم من دون سابق انذار، حتى ولو كان قائد الاوركسترا الحوارية ارتأى تأخير انطلاق هذه الثلاثية حوالي 40 يوما عساه يطرأ خلال هذا الوقت وفي عطلة عيد الفطر ما يؤمّن أرضية مناسبة لطروحاته المستجدة.

وبالرغم من عدم خروج قوى 14 آذار حتى الآن لنسف طرح "سلة الحل المتكاملة" نزولا عند رغبة بري الذي يسوّق لها باصرار غير مسبوق بعد سقوط طرحيه الآخرين واللذين يعتمدان على اجراء الانتخابات النيابية قبل تلك الرئاسية، الا أن هذه القوى وعلى رأسها تيار "المستقبل" تعي تماما أن الدخول في نقاش حول السلة المتكاملة يعني تلقائيا السير في مسار تعديل النظام اللبناني ان لم نقل تغييره، وهو ما ترفضه جملة وتفصيلا. ولم تنفع كل تأكيدات بري على تمسكه باتفاق الطائف وبنوده لتبديد مخاوف "المستقبل" المتنامية والتي قد تدفعه لاعلان انسحابه من الحوار اذا لزم الأمر ووجد نفسه "محشورا" في الزاوية ومضطرا للرضوخ لـ"الأمر الواقع".

وبحسب مصادر في قوى ​8 آذار​، فان الثلاثية الحوارية التي دعا اليها بري هي أشبه بـ"مؤتمر تأسيسي مقنّع"، مستغربة سعي الحلفاء لنفي الموضوع "وكأنّه خطيئة أو جريمة سترتكب"، واصرار الفريق السياسي الخصم على التعاطي معه كأنّه "آخر الدنيا" أو "انتصار لفريقنا السياسي". وأضافت: "الوضع الذي نرزح تحته منذ أكثر من عامين بات يستلزم اعادة النظر بالنظام القائم والذي يعتمد وبشكل أساسي على اعادة النظر بقانون الانتخاب"، متسائلة: "هل هناك ما هو أكثر سذاجة من توقع البعض أن أزماتنا المتفاقمة تُحل بمجرد انتخاب رئيس للبلاد، أيا كان هذا الرئيس؟!"

ورأت المصادر أن قوى 14 آذار "تتكبّر" حاليا على طرح بري للسير بـ"السلة المتكاملة"، "علما أنّها كانت لتكون أول المرحّبين به لو صدر عن دولة اقليمية صديقة لها أو أي دولة غربية، وسيستقل قادتها الصفوف الأمامية في أي طائرة تقلهم لعقد اتفاق خارجي". وتابعت المصادر "حان لهؤلاء أن يعوا أن الوضع السياسي في لبنان آخر اهتمامات الدول الاقليمية والغربية على حد سواء، فكل ما يعنيها استمرار الاستقرار الأمني وبالتالي لن تتأخر بالسير بما يدعمه".

ولا يزال قسم كبير من قوى 8 آذار متأكّدًا أن الطابة في الملعب اللبناني، وأنّه اذا قرر رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري التصويت لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية تُحل الأزمة، الا أن أخصام هذا الفريق مقتنعون بدورهم أنّه حتى ولو قدّم الحريري تنازلا بهذا الحجم، سيخلق حزب الله تبريرات وحججًا جديدة لابقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، من منطلق أن انشغاله بالحروب الدائرة في المنطقة وحركته العسكرية المعلنة خارج الحدود اللبنانية لا تتناسب مع قيام دولة في لبنان برأس ومؤسسات عاملة ستسائله عاجلا أم آجلا وتطلب منه العودة الى الداخل اللبناني. وتعزز مصادر في قوى 14 آذار وجهة نظرها هذه بالخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي لم يجد برأيها "الوقت اًصلا للتطرق للملفات الداخلية وهي لا شك ثانوية بالنسبة له أمام حجم ملفات أخرى مرتبطة بقتاله في العراق وسوريا وانشغاله بالملفين البحريني واليمني".

بالمحصلة، لا توحي المؤشرات الداخلية كما تلك الخارجية بأي خروقات قد تحققها "ثلاثية" بري المرتقبة بالرغم من خلفياته الاستراتيجية، لا بل تدل كل المعلومات الواردة أنّه وبدل أن يعطي دفعا لهذا الحوار المملّ من خلال تكثيفه، هدّد فعليا استمرارية "حفلات الزجل" والتي انسحب منها معظم قادة الصف الأول وأوفدوا من يمثّلهم لتقطيع الوقت حتى موعد الاستحقاق النيابي في عام 2017، باعتباره المحطة المفصليّة المفترض ان تحدّد وجه لبنان الجديد المرجّح أن يشبه ما ستكون عليه المنطقة في حينه.