في عزّ الأزمات التي يعانيها لبنان بيئيًا واجتماعيًا واقتصادياً، يحضر ملف ​قوارير الغاز​، الذي يفترض أن يشكّل بنداً خلافياً إضافياً على طاولة مجلس الوزراء، نظرا للمخاطر المترتبة على القوارير المعدنية القديمة وطلب استبدالها بقوارير جديدة.

وإذا كان البحث بهذا البند تأجّل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء بعد رفض وزير الشباب والرياضة ​عبد المطلب حناوي​ اعتماد القوارير البلاستيكية لأنها مهددة بالانفجار بسبب حرارة الطقس في لبنان، وهي معدة خصيصا للبلاد الباردة، فإنّ هذا الرأي تسنده الوقائع التي يستند إليها الخبراء.

ويلفت هؤلاء إلى أنّ قوارير الغاز المصنوعة من مادة البلاستيك تستعمل في دولتين أوروبيتين فقط هما الدنمارك والسويد، وذلك لملاءمة الطقس في هاتين الدولتين مع مواد البلاستيك، باعتبار أنّ درجة الحرارة فيهما لا تتعدّى الـ23 درجة مئوية على مدار السنة، كما لسهولة تعلم الشعب كيفية التعامل الحساس مع هذه القوارير، ولسهولة تنظيم كافة القطاعات المرتبطة بالغاز والعاملين عليها في هاتين الدولتين نظراً للطفرة الإقتصادية التي لديهم وللإنضباط الكبير الذي يتمتع به شعوب هذه الدول.

لكنّ ما ينطبق على الدنمارك والسويد لا ينطبق على غيرهما، بدليل أنّ جميع الدول الأوروبية الأخرى، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، تعتمد القوارير المصنوعة من الحديد، وذلك لقدرتها على تحمّل درجات الحرارة العالية، ولمتانتها ولقدرتها على تحمل الظروف الصعبة، نظراً لما يستتبعه هذا الأمر من اخطار كبيرة وجسيمة، بحيث تصبح قارورة الغاز قنبلة موقوتة قابلة للإشتعال والإنفجار في اي لحظة.

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة قطر وإمارة أبو ظبي وإمارة دبي كان قد سبق لهم واتخذوا قراراً باستبدال قوارير الغاز المصنوعة من الحديد بأخرى مصنوعة من البلاستيك، إلاّ أنهم سرعان ما عزفوا عن قرار الاستبدال لما يستتبعه هذا الأمر من خطر على السلامة العامة كون درجة الحرارة في دول الخليج والشرق الأوسط بشكل عام هي عالية على مدار السنة، وبالتالي تصبح هذه القوارير المصنوعة من البلاستيك قنابل موقوتة قابلة للإنفجار، اضافة الى الضرر البيئي الكبير الذي تسببه.

أما في لبنان، فقد جرت العادة على أن يقوم العمال بتعبئة القوارير ورميها في سيارات النقل التابعة لها بطريقة عشوائية وغير منظمة ولا تعتمد على الحد الأدنى من معايير السلامة العامة، ليصار بعد ذلك إلى توزيعها، الأمر الذي لا يتناسب مع القوارير المصنوعة من البلاستيك حيث أنها لا تتحمل الرمي بهذه الطريقة كما لا يمكن وضعها في شرفات المنازل لعدم قدرتها على تحمل الحرارة العالية وهي حساسة جداً كونها قابلة للكسر والذوبان والإنفجار.

ويلفت الخبراء إلى أن سعر قارورة البلاستيك الفارغة يتراوح ما بين الـ 60$ و 70$ يضاف إليها سعر الغاز مما يجعل ثمنها يصل إلى حوالي ال100$ (مع إرتفاع أسعار النفط) وهو مبلغ لا يستطيع دفعه شريحة كبيرة من الشعب اللبناني.

ويشيرون إلى أنه عادة ما يبقى رواسب تقدر بحوالي واحد كيلوغرام من الغاز في قعر قارورة الغاز حيث درجت العادة وللأسف بأن يقوم أصحاب القوارير في المنازل بتمرير شرارة نار من أسفل القارورة لكي يصعد الغاز وبالتالي يستفيد من الرواسب، الأمر الذي يستحيل عمله مع قوارير البلاستيك لسهولة وسرعة اشتعال البلاستيك، حيث لا يمكن الوصول إلى كل منزل وشرح مدى خطورة هذا الأمر وما يستتبعه من إنفجارات قد تحصل نتيجة لذلك.

وهنا تُطرَح العديد من التساؤلات، فلماذا لم تعتمد هذه القوارير في معظم الدول الأوروبية وغيرها من الدول المتقدمة؟ ولماذا عمدت الكثير من البلدان الى سحب قوارير البلاستيك من الأسواق بعد ان وقعت على عقود لاستيراد هذه القوارير مع شركات عالمية؟

الجواب الصريح و البسيط، وفقاً للخبراء أنفسهم، هو ان سلامة وراحة المواطن في كافة دول العالم تأتي في المرتبة الأولى وكون شعوب هذه الدول غير جاهزة وغير مؤهلة حالياً للتعامل مع قوارير البلاستيك وما يستتبعه هذا الأمر من تعقيدات لوجستية وتنظيمية كبيرة جداً.

ومن الاسئلة التي يطرحها الخبراء في هذا السياق، هل تستطيع الدولة اللبنانية الغارقة بالعديد من المشاكل الإقتصادية والأمنية والخدماتية ومن نقص في المياه وانقطاع في الكهرباء وغلاء للمعيشة ان تتخذ هكذا قرار غير مطبق إلاّ في عدد قليل جداً من الدول؟

وهل تستطيع الدولة اللبنانية تعليم كافة الشعب على التعامل الحساس مع هذه القوارير وعدم تعريضها لدرجات الحرارة العالية وعدم تمرير شرارة نار إلى أسفل القارورة، والأخطار الكثيرة الأخرى، ناهيك عن السعر المرتفع لهذه القوارير خاصة مع الأزمة الأقتصادية الكبيرة التي نمر بها؟!

وهل تستطيع الدولة اللبنانية الذهاب إلى كل منزل والتأكد من مكان وكيفية وضع واستعمال القارورة البلاستيكية؟

وهل تستطيع الدولة اللبنانية تحمّل الضرر البيئي الكبير الذي قد ينتج عن استعمال القوارير البلاستيكية، وهي التي لديها ما يكفي من مشاكل وأزمات بيئية؟

وهل تستطيع الدولة اللبنانية أن تقوم بخطوة استبدال قوارير الغاز الحديدية بأخرى بلاستيكية بالرغم من أن معظم الدول التي سبق لها واتخذت هكذا قرار عادت وعدلت عنه فيما بعد لخطورته؟

وألا يكفي الشعب اللبناني ما يمر به من مشاكل يومية وأزمات لتحمله الدولة عبء تغيير قوارير الغاز وما يستتبعه هذا الأمر من مخاطر ومشاكل تنظيمية وتأهيلية ومادية؟