منذ ما قبل الشغور الرئاسي، و"بورصة التفاؤل" لدى "التيار الوطني الحر" ترتفع تارةً وتنخفض أطواراً، ربطاً بالاستحقاقات السياسية، في الداخل كما الخارج.

أكثر من موعدٍ ضُرِب لانتخاب رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، ففُتِحت خطوط اتصالٍ لهذا الغرض مع الخصوم قبل الحلفاء، لكنّها كلّها لم تُفضِ إلى نتيجة، فبقي عون مرشحًا مُعلَنًا شبه وحيد، لكن مع وقف التنفيذ.

ولعلّ الأسبوع الماضي وحده كفيلٌ بتوضيح الصورة. فـ"العونيّون" استقبلوه بحفاوة، مبشّرين أنفسهم بـ"الفرج الآتي"، ليودّعوه بـ"غصّة" على وقع "التصعيد" بين حزب الله وتيار المستقبل، ليبقى السؤال: أين تكمن العقدة الحقيقية؟

العقدة عند "المستقبل"؟

يصرّ العونيّون على أنّ العقدة الحقيقية كانت ولا تزال لدى تيار المستقبل، ومن خلفه مرجعيّته الإقليمية. يتذكّرون كيف أنّهم كلما فتحوا خطوط اتصال، يأتي من "يفجّرها" دون سابق إنذار، وكأنّه ينفّذ أمر عملياتٍ خارجي.

هذا ما حصل في السابق، حين فُتِحت خطوط الرابية-بيت الوسط على مصراعيها، وبات العماد ميشال عون ورئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ "صديقَين صدوقَين"، لدرجة أنّ "الشيخ سعد" احتفل بعيد ميلاد "الجنرال الثمانيني" في دارته. فجأة، انقطعت خطوط التواصل، بلا سبب، على الأقلّ من وجهة نظر "العونيين"، الذين تفاجأوا بالحريري ينقلب عليهم ويذهب نحو "حليفهم" رئيس "تيار المردة" ​سليمان فرنجية​.

الأمر نفسه عاد وتكرّر خلال المرحلة الأخيرة. على وقع المتغيّرات التي فرضها "التيار"، أعاد التيار "الأزرق" فتح خطوط التواصل مع "الوطني الحر"، ولكن هذه المرّة على مستوى مدير مكتب الحريري، السيد نادر الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل. كان كلّ شيء يوحي بالتقدّم، تقدّمٌ ساهم في بلورته الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بمعادلة "الانفتاح على رئاسة الحكومة"، وعزّزه صمت الحريري المدروس في المقابل.

فجأةً، عاد كلّ شيء إلى المربّع الأول، وتمامًا كما في المرّة الأولى، من دون أن يفهم أحد ما الذي حصل. هذه المرّة، تطوّع وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ لـ"تفجير" السكّة، من خلال تصعيدٍ غير مسبوق من جانبه باتجاه "حزب الله"، هو الذي كان من بين قلّة داخل التيار مستعداً قبل أيام فقط لإقناع قيادته بتبنّي ترشيح العماد عون. وعلى الرغم من أنّ العونيين لم يعرفوا سبب "مناورة" المشنوق، وما إذا كانت مرتبطة بصراع "المزايدات" الذي يخوضه خصوصاً مع وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، فإنّهم باتوا على قناعة بأنّ سلوك "المستقبل" هذا مرتبطٌ بشكلٍ مباشرٍ بأمر عملياتٍ خارجي، وبالتحديد سعودي، علمًا أنّ المشنوق نفسه سبق له أن أقرّ في حوار تلفزيوني بأنّ كلّ "الانقلابات الحريرية" كانت تحصل بطلبٍ من المملكة.

لكلّ هذه الأسباب، يرى "العونيون" أنّ العقدة التي تحول دون انتخاب عون رئيساً للجمهورية هي "مستقبليّة" أولاً وأخيراً، خصوصًا أنّ دعم الحريري لـ"الجنرال" سيوفّر "الميثاقية السنية" للرجل، وسيعبّد له طريق بعبدا فوراً، أمرٌ لن يكون مُتاحًا إذا أصرّ "المستقبليون" على تعنّتهم، وبالتالي على تعطيلهم لانتخابات الرئاسة، ولو حضروا "شكلياً" جلسات الانتخاب المفترضة...

العقدة عند حلفاء عون!

لا يلقى رمي عون للكرة في ملعب "المستقبل" حصراً آذاناً صاغية لدى "التيار الأزرق". بالنسبة له، المشكلة الحقيقية هي عند حلفاء "الجنرال"، وإن أصرّ على عدم الاعتراف بذلك، ضمن سياسة "الهروب إلى الأمام" التي يخوضها.

يلفت "المستقبليون" في هذا الإطار إلى وجود الكثير من القوى السياسية، الحليفة لعون افتراضياً، التي تتلطى وراء التيار "الأزرق"، في حين أنّ موقفها الرافض لانتخابه معروفٌ، وعلى رأس هذه القوى لا يتربّع منافس عون اللدود على الرئاسة النائب سليمان فرنجية فحسب، بل يسبقه ويتفوّق عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، هو الذي لا يخفي موقفه هذا، وإن كان يغطّيه ببعض الذرائع من هنا وهناك، وأبرزها مطالبته باعتذار "الجنرال" عن وصفه المجلس النيابي بـ"غير الشرعي".

الأَولى، بحسب "المستقبليين"، أن يحصل عون على دعم حلفائه وحلفاء حلفائه، قبل أن يطالب بدعم خصومه له، وقبل تحميلهم مسؤولية عدم انتخابه، خلافاً للمنطق الطبيعي وللبديهيات السياسية. أما قصّة توفير الميثاقية، أو إمكان تعطيل الحريري لنصاب الجلسات الدستوري في حال شعر بأنّ عون حلّ مشكلة حلفائه، فلا أساس لها، وفق "المستقبليين"، الذين يؤكدون أنّهم لن يعطّلوا نصاب أيّ جلسة، ما يعني أن ما يحتاج له العماد عون أكثر من موافقة الحريري على إنتخابه، هو ضمانات بأن لا تنقلب الأمور عليه لدى دخوله إلى جلسة الإنتخاب المنتظرة.

من هنا، يدعو "المستقبليون" عون لحزم أمره، إذا كان واثقاً بأنّ فوزه مضمون، كما يقول، وبالتالي للتوقف عن تعطيل نصاب الجلسات بحجّة الميثاقية المفقودة، والنزول إلى المجلس النيابي، وعندها، إذا فاز وفق الأطر الديمقراطية المعمول بها، "فصحتين على قلبه"، بل أكثر من ذلك، سيكون الحريري أول مهنئيه وسيتعامل معه كرئيسٍ منتخبٍ للجمهورية، وإن كان على يقين بأنّ هذا الأمر لن يحدث، لا الآن ولا في المستقبل.

تفاؤل بلا أساس؟

تبخّر التفاؤل "العوني" إذاً مع ما سُمّيت بـ"قنبلة" وزير الداخلية، التي أطاحت بـ"الإيجابيات" التي سبقتها عن بكرة أبيها. وإذا كان "العونيون" متمسّكين بهذا "التفاؤل" حتى "الرمق الأخير" كما يقولون، فإنّ علامات استفهامٍ كثيرة تُطرَح عن حقيقته وواقعيته، في ضوء "العقد" الكثيرة الموجودة.

وسواء كانت هذه "العقد" فعلاً عند "تيار المستقبل" أو عند حلفاء العماد عون، يبقى الأكيد أنّ "حلم" الوصول إلى قصر بعبدا لا يزال "صعب المنال"، أقلّه بانتظار "معجزة" لا يبدو أنّ ظروفها نضجت، حتى الساعة...