"على هداية الله” يسير الرئيس ​تمام سلام​ ومعه الرئيس نبيه بري. قرر الأول بدعمٍ معنويّ وعمليّ من الثاني أن يسير في “الجلسة المغامَرة” التي يغيب عنها المكوّن المسيحي بأكثريته التمثيلية لا العددية. “على هداية الله” يسير التيار الوطني الحرّ أيضًا مقاطعًا جلسةً عنوانُها الأبرز: التمديد، ولن يكون كذلك بطلبٍ خاصٍّ من بري وحزب الله.

حسمت الرابية موقفها وراحت تشكّك في ميثاقية جلسة اليوم بغض النظر عمّا سيصدر عنها بعدما وصلها الخبر اليقين بفشل مساعي إرجائها وانعقادها بمن حضر. فما الرسالة من انعقاد جلسة اليوم بلا العونيين المقاطعين طوعًا والكتائبيين المستقيلين أصلًا والقواتيين الغائبين من الجذور؟

مُحرَج أيضًا وأيضًا...

كثيرةٌ هي الهواجس المدجّجة برسائل سياسية. لا يمكن لسلام أن يسمح لأي معترضٍ على قرارٍ حكومي بأن يشلّ الحكومة وهو ما عكف على فعله أطرافٌ كثيرون منذ اللحظات الأولى لولادة الحكومة حتى اليوم، لدرجةٍ آثر سلام نفسه الاستقالة في غير مناسبة على مواصلة العمل في غمرة كلّ هذه الفوضى والنكائيات. محرجًا يبدو سلام مرّة أخرى وإن كان إبلاغه من بري بحضور كتلته الجلسة أثلج قلبه قليلًا، خصوصًا أن رجل عين التينة وسيطٌ حيوي بين مختلف الأطراف وحضوره المعنوي يمنح الجلسة الحكومية شيئًا من الطعم واللون. لبرّي اعتباراته. فالرئيس المايسترو الذي لا يرضيه سيناريو تعطيل مجلس النواب ومقاطعة الجلسات لن يقبلها على نفسه اليوم في الحكومة فيُتَّهم بالاستنساب أولًا، ناهيك عن أن لا مشكلة لديه في التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. ولكن برّي لن يخوض مغامرة نكائيّة جارفة مع الرابية كتلك التي اعتاد خوضها في أيّام الفتور السود، لا سيما بعد التقارب الأخير بين الطرفين، لذا أصرّ على ما علمت “البلد” على عدم استفزاز الرابية بقراره من خلال اتصالاتٍ مسائيّة بين الطرفين لترطيب الأجواء، خلصت الى تمنٍّ من بري لسلام بأن تكون الجلسة اليوم شكلية وبأن ترجئ كلّ الملفات المهمة الى حين عودة التيار عن قراره.

اتفاقٌ على عدم المغامرة

هي مجرّد رسالةٍ اعتراضية أراد التيار الوطني أن يوجّهها الى “العابثين” في الميثاقية ومستنسبي الدستور وفق أهوائهم ونكاياتهم. رسالة اعترف بها رئيسُه شخصيًا حافظًا خطّ الرجعة على ما تقول مصادر وزارية لـ”صدى البلد”، مستبعدة أن يكون التصعيد عنوان المرحلة المقبلة خصوصًا أن الجميع متّفقون على عدم المغامرة بفرط عقد الحكومة والتيار ليس بعيدًا من هذا الجوّ. ولكنه أراد ببساطةٍ أن يعبّر عن اعتراضه على التمديد بالمقاطعة، وهذا دليلٌ على أنه لا يستطيع أو في أحسن الأحوال لا يأخذ على نفسه التفكير في الاستقالة كما فعل الكتائبيون، وهذه النقطة تريح سلام من جهةٍ ولكنها تضاعف وجع رأسه من جهةٍ أخرى خصوصًا أنه لا يمكنه التصرّف بلا مكوّناتٍ مسيحية أساسيّة كي لا يُفهَم على أنه يطيح القرار المسيحي".

امتصاص الغضب!

رغم طفرة بوادر التفجُّر الحكومي، لا يبدو أن هناك اتجاهًا فعليًا الى التصعيد. فسلام مستعدٌّ لامتصاص غضب العونيين بعدم اتخاذ قراراتٍ مهمّة اليوم، وفي الوقت عينه من دون أن يمنحهم ورقة التعطيل الرابحة كلما عنّ على بالهم ذلك. ومن جهةٍ أخرى، يحاول حزب الله الذي يبدو موقفه من جلسة اليوم رماديًا تأدية دور الوسيط بتطرية الأجواء مع العماد ميشال عون من خلال تسويغ حضوره، ولكن قبل ذلك التمنّي على سلام من خلال وزيره محمد فنيش إرجاء الجلسة تلافيًا لتظهير صورة الحكومة على أنها غير آبهة بحضور التيار من عدمه. وفيما يتسلّح التيار بميثاقية تغيب بغيابه، يرتقي آخرون بنظريّة مغايرة تُلمِح الى أن مشاركة ثمانية وزراء مسيحيين آخرين تنقذ الميثاقية وتُسقِط ذريعة الرابية، من دون أن يركن هؤلاء الى الحجم التمثيلي الذي يجسده ثمانية حاضرون مقابل أربعة غائبين ومعهم القواتيون المغردون خارج السرب الحكومي من أصله.

ضربٌ في الرمل

ماذا بعد؟ سلام يرفض التعطيل والتيار يتمسّك بنظرية عدم فتح الأبواب أمام أي تمديد جديد غير شرعي مع ارتقاء شريحة كبيرة بنظرية عدم التعيين في ظلّ غياب الشغور. هل يكون قبل اليوم خلاف ما بعده بالنسبة الى الرابية؟ أيُّ جوابٍ في هذا التوقيت بالذات قد يبدو أشبه بضربٍ في الرمل لا سيّما أنّ أيّ قرارٍ لم يُحسَم بعد في هذا المجال وكلّ ما يُقال عدا ذلك تخمينات وتحميل الرابية كلامًا سابقًا لأوانه خصوصًا أن ليست لدى الرابية على ما يبدو نيّة ضمنيّة في التفجير وهي التي رفضت الانسحاب في ظروفٍ أكثر حلاكةً، وتمسّكت بنظرية “المحاربة” من قلب السلطة لا من خارجها. فضلًا عن هذا التوقيت الحساس الذي فيه تتحرّك البورصة الرئاسية ومعها أسهم قانون الانتخاب لا تحتمل غيابًا عونيًا عن المؤسسات حتى ولو كانت مشلولة.

جريء أم باهت؟

لا مفاجآت في جلسة اليوم، لا بل البهتُ هو عنوانُها الأساس المتلطّي خلف قرارٍ يصفه كثيرون بـ”الجريء” والمنسوب الى الرئيس سلام بالمضي قدمًا في الجلسة وعدم الرضوخ لضغوط التيار الوطني بتبني خيار الإرجاء. “جرأة” ما هي سوى ضربٍ من ضروب التهميش في نظر الرابية، كما وفي همسات بكركي غير الراضية عن مسلسل تقزيم القرار المسيحي الذي يبدأ بكرسي بعبدا وينتقل كالعدوى الى باقي المؤسسات.