لم يبقَ من عمر مجلس النواب الحالي الممدّد لنفسه مرتين لولاية كاملة، سوى نحو ثمانية أشهر فقط، ما يعني أنه لو كانت البلاد تمرّ بحالة سياسية هادئة ومستقرة، لانطلقت الحملات الانتخابية، وطبخ التحالفات واللوائح، ولامتلأت الجدران وعواميد الكهرباء واللوحات الإعلانية بالصور البهيّة للمرشحين.

حتى الآن لا مؤشرات إلى أننا مقبلون على إجراء هذه الانتخابات، وثمة من ينتظر تطورات ما؛ أمنية أو سياسية، للبدء بالحديث عن تأجيل جديد، لأنه بعد مرور الانتخابات البلدية بخير وسلام، لم يبقَ من مبرر أمام أي طرف للتذرع بعدم إمكانية إجراء العملية الديمقراطية.

في المدة الفاصلة عن موعد الاستحقاق، ثمة كثير من المناورات والألاعيب السياسية، لعدم التحضير لهذا الاستحقاق، أبرزها:

1- عجز مجلس النواب عن صياغة قانون انتخابي، لأن هناك من يخاف من أي قانون جديد، فالأفضل عنده البقاء على قانون "أكل الدهر عليه وشرب"، على قاعدة "جديدك لا يدوم، قديمك أوفى".

2- طرح قانونين؛ على قاعدة قانون مركّب ينتخب على أساس النسبية، وآخر على الأكثري، ويلاحَظ هنا أن مشروعاً مشتركاً باسم "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"تيار المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية" يقدّم على أساس (60 نسبي و68 أكثري)، فيه تبدو الصورة واضحة بلا خجل؛ إنهم يضمنون الأكثرية، لأنهم سيقاسمون الآخرين بدوائرهم، ويُبقون على حصصهم كاملة في الدوائر المحسوبة عليهم.

أما المشروع الآخر الذي طرحته كتلة التنمية والتحرير، فيقوم على أساس المناصفة، أي انتخاب 64 نائباً على قاعدة النسبية، و64 على الأكثري، وفيه "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، لكن من يُقنع فؤاد السنيورة وجورج عدوان ووليد جنبلاط وامتداداتهم من الداخل إلى الخارج؟

طرح "ألعوبة" المجلسين (نواب وشيوخ)، مع أن لبنان مر بمثل هذه التجربة شديدة الفشل.

بشكل عام، ليس واضحاً إن كان اللبنانيون سيرون قانوناً انتخابياً جديداً، لأن كل ما يهم الطبقة السياسية، هو بقاء هيمنتها وسلطتها ومصالحها، ويمكن القول إنها غير معنيّة بأي إصلاح سياسي واجتماعي، مع أنه لكل قانون انتخابي فتنته وأزمته.. وحتى حربه الأهلية.

وحتى لا نعود إلى قوانين الانتداب الفرنسي، نشير إلى قوانين ما بعد الاستقلال، فقانون عام 1951 أنتج أزمة 1952، التي أوصلت رجل الانكليز ومن ثم تحوّل إلى الأميركي كميل شمعون، وقانون عام 1953 أنتج فتنة 1958، وقانون 1960 الذي كان مرحلياً كما أراده الرئيس فؤاد شهاب، خلّد حتى عام 1975، وكانت الأزمة الوطنية الكبرى، وقوانين ما بعد الطائف كانت تداوي حاجة اقطاب السياسة، خصوصاً وليد جنبلاط، فأنتجت "القطط السمان" والأزمات المستفحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وارتفاع المديونية العامة وفوائدها بشكل مذهل.. وببساطة، أوصلتنا إلى سلطة غير قادرة على حلّ أزمة "الزبالة" والتلوّث والأمراض، دون أن نتحدث عن "الخيانة الوطنية".. وحرب تموز 2006 فيها من الدلالات والعبَر عن نماذج من هذه الخيانة ما يجعل شعر الأطفال يشيب.