على الرغم من عدم حصول الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى تركيا مؤخراً على الأهمية اللازمة، يبدو أنها قد تكون مفصلية على صعيد حياته السياسية، في ظل الضغوط التي يتعرض لها على كافة المستويات، والتوتر الذي يطغى على علاقته مع الممكة العربية السعودية، نتيجة تراجع الدعم الذي كان يحظى به في الفترة السابقة.

يدرك الحريري اليوم أنه بحاجة إلى حاضنة إقليمية، تؤمن له الغطاء وسط ما يجري من تحولات على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ترسم من خلالها توازنات جديدة، لن يكون لبنان بعيداً عنها بأي شكل من الأشكال، حيث بات الإستحقاق المفصلي فيه، أي الإنتخابات الرئاسية، مرتبطاً إلى حد بعيد بالتسويات الكبرى التي يتم الحديث عنها بين الحين والآخر.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الرياض كانت على مدى السنوات الأخيرة، لا سيما في مرحلة ما بعد توقيع إتفاق الطائف، تمسك وحدها بورقة تمثيل الطائفة السنية في لبنان، وكان رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ومن ثم سعد الحريري، الفريق المدلل لديها، لكن الأحوال اليوم تبدلت، فزعيم تيار "المستقبل" يواجه أزمة على مستوى علاقته مع المملكة، قد تكون أبرز تداعياتها ما يحصل على مستوى أمبراطورية "سعودي أوجيه".

من هذا المنطلق، تعتبر المصادر أنه من الممكن فهم الزيارة التي قام بها الحريري إلى أنقرة، في هذا التوقيت بالذات، والحرص الدائم من جانب الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ على الإهتمام برئيس حكومة لبنان السابق، الذي قد يكون بوابة الدخول لبناء نفوذ له في بيروت، بدل العمل على دعم شخصية أو فريق سياسي قد ينجح أو يفشل، لكنها ترى أنه قبل ذلك من الضروري العودة إلى المعادلة الإقليمية التي ترسم على مستوى المنطقة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، بعد الإنقلاب التركي الفاشل، الذي كان من الممكن أن يقضي على حضور حزب "العدالة والتنمية" في المعادلة السياسية، نجح أردوغان في العودة إلى المنطقة من الباب العريض، لا سيما بعد أن وجد تعاطفاً شعبياً كبيراً معه من قبل فئات واسعة على مستوى العالم الإسلامي لا فقط في داخل بلاده، في المقابل لا تزال السعودية تعاني من الفشل الواضح في الحرب اليمنية، حيث لم تنجح حتى اليوم في وضع حد لها، الأمر الذي يساعده على التوسع أكثر على حساب نفوذ الرياض السابق.

بالتزامن، عادت أنقرة لتكون رقماً صعباً على مستوى الأزمة السورية، التي من المفترض أن يكون لأي حل خاص بها تداعيات على دول الجوار، فتركيا باتت اليوم "حاجة" لدى كافة الأفرقاء، من روسيا إلى أميركا وصولاً إلى إيران، الجميع يسعى إلى أن تكون إلى جانبه في المرحلة المقبلة، في حين هي تعمل على تحقيق أهدافها الإستراتيجية، لكن النقطة المفصلية، من وجهة نظر المصادر نفسها، هي في مكان آخر، يريد الحريري الإستفادة منه، من أجل ضمان تسوية لبنانية تحفظ له المكتسبات التي لديه.

وتوضح المصادر المتابعة أن الجميع متفق على أن حل الأزمة في البلاد يتطلب جهوداً إقليمية ودولية كبيرة، و"الشيخ" يراهن على ما يبدو على العلاقة التي تجمع بين أردوغان والجمهورية الإسلامية في إيران، خصوصاً أن الرئيس التركي سيكون قريباً في طهران من أجل عقد لقاءات هامة، وهو يأمل أن تساهم هذه الزيارة بجس نبض إيران حول إمكانية الوصول إلى حلول سريعة هو بأمس الحاجة لها، بسبب "المونة" التي لديها على "حزب الله"، في ظل إنقطاع التواصل بين الرياض وطهران منذ أشهر طويلة، ولكن هل هذا يعني أن رئيس الحكومة السابق لم يعد بحاجة إلى "الحاضنة" السعودية؟

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن أن يكون الحريري في هذا التوجه، نظراً إلى أنه سيكون الحلقة الأضعف في حال قررت الرياض الرد على مثل هكذا خطوة، لكنها تعتبر أن من العلامات الفارقة على هذا الصعيد خفض السعودية مستوى تمثيلها في لبنان إلى مستوى قائم بالإعمال، بعد تقاعد سفيرها السابق علي عواض عسيري، وهذه الخطوة تعتبر عادة في الأعراف الدبلوماسية إعتراضاً على أمر ما أو تراجعاً في الإهتمام، وتسأل: "هل باتت الرياض ترى أن الساحة اللبنانية ليست من الأولويات؟"

في المحصلة، قد يكون أردوغان هو منقذ الحريري في المرحلة الراهنة، نظراً إلى أن أوراق عودته إلى السراي الحكومي قد تكون بين يديه، فهل يملك الرئيس التركي القدرة على إقناع طهران بتسوية تسمح بعودة "الشيخ" دون تقديمه تنازلات لا يريد دفع ثمنها؟