ما يميّز البنى التنظيمية للمجموعات التكفيرية هو استعانتها بأبناء المناطق والقرى والمدن والبيئة التي تنشط فيها. بالاضافة الى مسك طرف التناقضات داخل المجتمع المحلي او الواحد. في داخل المخيمات الفلسطينية التعقيدات اكبر بالنسبة لخصوم هذه الجماعات، فالتركيبة الداخلية للمجتمع الفلسطيني كناية عن عشائر وافراد مترابطين بالنسب والدم والمصاهرة بالاضافة الى واقع التناقضات الفلسطينية السياسية والاجندات التي يؤمن فيها او ينفذها كل فصيل والولاءات المتعددة لهذه الدولة او تلك ولهذه القوى الاقليمية والدولية وغيرها. وهي مشابهة للتناقضات اللبنانية التي تجعل من الدولة ومؤسساتها رهينة في يد المزاجية والحسابات السياسية والحزبية الضيقة.

انتقاء التنظيمات الارهابية لابناء الامكنة الناشطة فيها جعل من "الداعشي" عماد ياسين يتحرك بحرية وينسج علاقات مع ابناء المخيم والقوى السياسية والفصائل. وقد تكون عوامل القرابة والجيرة من بين هذه العوامل. وهذا لا يعني ان هذه العلاقة توفر غطاء سياسياً او امنياً له من قبل الشرعية التي تمثلها فتح وفصائل منظمة التحرير الوطنية والاسلامية.

ياسين الذي كان يتواجد على بعد 50 متراً من حاجز الجيش في منطقة الطوارىء كان يعتقد واهماً ان هناك مظلة تحميه وان الجيش او غيره لن يجرؤ على قتله او القبض عليه. وتؤكد مصادر بارزة الى انه كان يتجول بحرية ويعول على "قوة" ما لتحميه لكن الجيش ومخابراته كان له بالمرصاد ويتحيّن الفرصة للقبض عليه حياً واستخراج ما يملكه من معلومات.

القاء القبض على ياسين وتسليم بعض المطلوبين "الصغار" انفسهم لتسوية اوضاعهم الامنية يشكلان بداية مرحلة جديدة في مخيم عين الحلوة اكبر المخيمات في لبنان واكثرها تشابكاً وتعقيداً بين المحلي والداخلي والعشائري الى الدولي والاقليمي. وتشير هذه المصادر الى ان الحسابات الفلسطينية والناجمة عن خوف من الفتنة والاقتتال الداخلي- الداخلي وطغيان العوامل العشائرية والعائلية والتناقضات المحلية اخّرت حسم مربعات التكفيريين وجعلت فتح تدفع ثمنا باهظاً من حياة كبار قادتها وعناصرها وكوادرها، وتقف وراء اغتيالهم بالتأكيد مجموعات متشددة داخل المربعات مع العلم ان الاوامر التي تصدر اليهم متعددة الاتجاهات من الداخل الى الخارج والاقليم القريب والبعيد.

ومما لا شك فيه ان التعاون الفلسطيني الاستخباري والامني واللوجستي والتنسيق السياسي والامني مع الجيش ومديرية المخابرات في صيدا ومع اللواء عباس ابراهيم الضالع في متاهات المخيمات وتعقيداتها عزز من فرص حسم الجيش لامره ولتولي المهمة الصعبة. هذه المهمة يعتبرها بعض الفلسطينيين "مهمة قذرة" كونها ستجعل الدم الفلسطيني والعشائري نهراً يجري في اروقة وازقة وجدران المربعات واحياء عين الحلوة. اذ تؤكد المصادر نفسها ان غالبية الاغتيالات باستثناء قيادات فتح لها طابع تصفية امنية او انتقام لان التكفيريين يعتبرون في مكان ما ان ما يجري معهم ليس سوى افخاخ ووشايات يقوم بها ابناء جلدتهم. وبالتالي لن يكون سيمون طه الاخير وليس هو الاول.

في الاجتماعات الاخيرة ،ومنذ اغتيال العقيد طلال الاردني وفتحي زيدان، بين الفلسطينيين والجيش "زمر" الضوء الاحمر في وجه الفلسطينيين وكان الضوء الاحمر على امرين اساسيين: عدم تفلت الامور وانفجارها وعدم نقل المربعات بما فيها الى صيدا ومحيطها اللبناني والا ستقع الواقعة. وبين الطرفين استعمل حزب الله كل علاقاته و "مونته" على رفاق السلاح المقاوم ليؤكد ان مسؤولية الامن والاستقرار من مهام الجيش وهو يدعمه الى النهاية وهو لن يقف متفرجاً اذا تعرض لبنان وجيشه واستقراره الى خطر من بوابة التكفيريين او المخيمات. لذلك كان صوت الجيش وحزب الله واحداً وعالياً: المس بالجيش خط احمر والاستقرار والامن والبندقية الفلسطينية الموجهة نحو العدو خطوط اكثر من حمراء وحذار من تجربة البارد او تجربة مخيمات سورية.

المرحلة الجديدة في مخيم عين الحلوة تأتي لتزيد من عزلة التكفيريين والارهابيين وتضعهم بين سندان الرفض "المعنوي" لوجودهم وعبئهم من المجتمع والفصائل الاسلامية والوطنية الفلسطينية ومطرقة الجيش الذي بات يتولى منذ امس الاول وصاعداً "العمل الصعب" في حسم الملفات الامنية ميدانياً. لذلك كله على المجتمع الفلسطيني وفتح والفصائل الاسلامية التي اثبتت حسن نواياها وتعاونها في الفترة الاخيرة ان تكمل على هذا النحو لانقاذ المخيمات ولبنان. وللدولة اللبنانية ان تتعاطى مع المخيمات اسوة بأي منطقة لبنانية بالخدمات والتقديمات الاجتماعية رغم الحاجة اللبنانية وضنك العيش وقسوته.