أسابيع مرت على تلويح التيار "الوطني الحر" باللجوء الى الشارع من أجل عناوين كبيرة أهمها الميثاقية وحقوق المسيحيين. تسارع مرور الوقت، وبتنا على مسافة يومين فقط من الموعد الاول المفترض لهذا التحرك، والذي اصبح موضع بحث ودراسة وفق اكثر من منظار ورؤية.

صحيح أنّ البلد بأجمعه معني بهذا التحرك لو حصل، ولكن هناك دون شك ثلاثة اشخاص معنيون به بشكل وثيق ومباشر هم على التوالي: العماد ميشال عون، رئيس الحكومة ​تمام سلام​، والنائب ​سعد الحريري​.

1-على خط عون، تتشابك الكثير من المواضيع، لأن هذا التحرك بالغ الاهمية بالنسبة اليه لاسباب عدة، اولها انه حُمّل الكثير من الأهداف التي سينتظر الجميع ما الذي سيتحقق منها لاعادة تقييم وضع عون السياسي والشعبي، مع ربط هذا الأمر بنسبة حظوظه بدخول قصر بعبدا. تحدّ كبير يواجهه عون ويتمثل برهان أخصامه من السياسيين على فشل هذا التحرك الشعبي معتمدين في المقام الاول على الانقسام الذي شهده التيار "الوطني الحر" بعد الانتخابات الأخيرة، وظهور "تيارات" عدة معارضة قد تخفف من مدّ "البحر الشعبي العوني"، مع رهان إضافي بمشاركة خجولة من قبل "القوات اللبنانية". أما "حزب الله" فالرهان على عدم مشاركته شبه محسوم لأنه عندها قد يُعتبر وكأنه يتدخل في الشؤون المسيحيّة من جهة (فهو متحالف أيضاً مع تيارات واحزاب مسيحيّة لا توافق العماد عون في رؤيته)، ناهيك عن أنّ مشاركته ستهدّد جدياً أي مشاركة للقوات.

رهان الخصوم على الإنقسام الداخلي في "الوطني الحر" يرافقه رهان آخر على عدم نجاح الخطوة لأنّ أيّ احتكاك بسيط مع القوى الأمنيّة والجيش اللبناني تحديداً (كما حصل في المرّة السابقة) أمر غير مقبول بتاتاً من قبل أيّ جهة محليّة كانت أم اقليمية أم دوليّة، فضلاً عن أنّ أفق لأيّ تحرك سيكون مضبوطاً وفق ما يتردّد في الاروقة الدبلوماسية.

2-على خط سلام، ينتظر هذا الأخير ما ستسفر عنه هذه التحركات لأنّ بقاء حكومته أم لا، رهن بمدى تطوّر الشارع. ولكن سلام تلقى جرعة معنويات كبيرة في نيويورك، أفضت الى عودته محمّلاً بتطمينات بأن الحكومة لن تسقط في الشارع مهما كانت الظروف، وهو بطبيعة الحال لن يقدم على الاستقالة. وهذا الأمر يضعه أمام مشكلة وحيدة تتمثل في شلّ عمل الحكومة، وهي في الحقيقة لن تؤثر على سلام بشكل شخصي وجدّي، لأنه سيبقى في منصبه يتمتع بكامل الصلاحيات وسيظهر وكأنه "ضحية" المصالح السياسية للأفرقاء وأن لا حول له ولا قوة...

قد يكون سلام الرابح الأكبر مهما كانت نتيجة التحركات في الشارع، لأنّ فشلها سيعني تثبيت البقاء وتعزيزه في السراي الكبير، ونجاحها سيضعه في خانة المرحّب بما ستؤول إليه الأوضاع، وستجعله لاعباً على الساحة المحليّة بعد أن كان قبل رئاسة الحكومة مجرّد رجل يتعاطى السياسة وابن بيت عريق.

3-على خط الحريري، كان الجميع ينتظر عودته من الخارج لمعرفة خياره الرئاسي في ظل ما تردّد عن إمكان دعمه للعماد عون. وها هو قد عاد الى لبنان، ومن الممكن ان يعتمد، في حال وجود نيّة الدعم لعون، على أنّ التحرك في الشارع وتصاعده وقوته هو الذي سيدفعه الى اتّخاذ "الخيار الصعب" بانقاذ البلاد من المجهول والتوجه الى المجلس النيابي تاركاً لنواب التيار المستقبلي الإنتخاب لمن يشاء من أعضائه، وهي الخطوة التي ينتظرها رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح".

أمّا في حال عدم تأمين الدعم لعون، فسيعتبر أنّ تحريك الشارع أتى من أجل فئة من اللبنانيين فقط وليس من أجل لبنان ككلّ، ما سيضع صاحبها في خانة التقوقع الطائفي والمذهبي وسيحجّمه من ممثّل للبنان الى ممثل لشريحة من الموارنة فقط.

ومن شأن التحرك الشعبي أن يظهر الخيط الأبيض من الأسود بالنسبة الى خيار الحريري الرئاسي، فهو سيؤمّن له ذريعة مناسبة لانتخاب عون رئيساً في حال أراد ذلك، دون أن يلومه أحد لأنه عندها سيقول أنّ لبنان دخل الى المجهول وما من سبيل لانقاذه إلاّ باتّخاذ الخيار الصعب! كما أنّه قد يعطيه "فترة سماح" يظهر فيها وكأنه استنفذ كل الوسائل لعدم انتخاب عون دون أن يؤدي ذلك الى حلحلة الامور، ولم يبقَ أمامه الا خيار واحد.

بدأ العد العكسي للتحرك المرتقب للتيار "الوطني الحر" في الشارع، وبدأت الحسابات التي يقوم بها كل طرف تتصاعد وتتكلّم بأرقام منقسمة وفق كل حساب، ويبقى انتظار الحصيلة النهائيّة والحسابات الرسمية الخارجة عن التوقّعات والتحليلات وخصوصاً بالنسبة الى الثلاثي: عون-سلام-الحريري.