بين متفائل ومتشائم بشأن امكانية حسم ملف رئاسة الجمهورية، جرى تسويق مجموعة من الافتراضات قائمة على ركيزتين: جولات رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ التشاورية، وكلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن وجوب حصول تفاهمات سياسيّة. هناك من تسرّع واعتبر ان الحريري ذهب الى تبنّي ترشيح رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون للرئاسة. وهناك من افترض أيضاً ان برّي يعيق وصول "الجنرال" الى القصر الجمهوري.

لا "الشيخ سعد" وصل الى مرحلة تبنّي عون بدلاً من رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، ولا رئيس المجلس يحاول منع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" من الوصول الى بعبدا.

بدا أن هناك ماكينة تحاول فرض تلك السيناريوهات وتستبق نتائج المشاورات السياسية المفتوحة وتتجاهل الأبعاد الحقيقية الأخرى.

في المجالس السياسية يدور كلام عن عدم رفع "الفيتو" السعودي على ترشيح عون، ما يعني عدم قدرة الحريري على حسم قراره بإتجاه تبني "الجنرال". لكن لماذا يوحي رئيس "المستقبل" بتوجّه إيجابي نحو عون؟ ثمّة من يعتقد أنّ الحريري يسارع الى التخطيط للعودة الى رئاسة الحكومة بأي شكل، "في زمن تراجع قدرة الرياض على التأثير الإقليمي، بدليل وضعها المتردّي في اليمن وتغييبها عن سوريا والعراق وعدم الإكتراث بها مصرياً، وانشغالها بملفات داخلية وازدياد أزماتها المالية التي فرضت التقشف المتدحرج، عدا عن توتر علاقاتها مع الأميركيين خصوصا بعد قرار الكونغرس الأخير بشأن محاسبتها، ما يعني رفع الغطاء الغربي عنها".

أصحاب هذه النظرية يجزمون أنّ الحريري يسعى للوصول الى رئاسة الحكومة اللبنانية بأي ثمن الآن، ولذلك وسّع خياراته بإتجاه عون بعد جمود خطوة ترشيح فرنجية. هم أنفسهم يعتبرون ان "الشيخ سعد" بات قلقاً من تراجع شعبيته في الساحة السُنية. "لو جرى تسمية رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ مجدداً لرئاسة الحكومة هذه المرّة، لن تكون هناك اعتراضات سُنّية ولا تظاهرات، اختلف الوضع وبات ميقاتي يمسك بزمام شارع لا يقتصر على طرابلس فحسب". فهل هذا فعلاً أحد مخاوف الحريري؟

ولنفترض أنّ السعودية لا زالت تمسك بالقرار، "لم يعد حلفها او اعتمادها محصوراً بالحريري، سبق وأن ترجمت أمر الانفتاح على قوى سنّية أخرى".

هناك من يعتبر أيضاً أن الحريري يريد أن يرمي الكرة الرئاسية في غير ملعب "المستقبل". الحملة تجدّدت على "حزب الله" كما بدا في كلام نواب "المستقبل" ورئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ لتحميل الحزب ضمناً وعلناً مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس. ومن هنا يعتبر البعض أن الحريري ذاهب لإعلان الفشل في تسويق ترشيحي فرنجية وعون معاً والبحث عن خيار توافقي ثالث. في كل الحالات هنا يكون رئيس "المستقبل" قد رمى الكرة في ملعب آخر.

الاسئلة الأهمّ: ماذا بحث الحريري في جولاته؟

هل المشكلة في شخص المرشح؟ أم في برنامجه؟ أم في تسويقه؟ أم في طمأنة المكوّنات السياسيّة؟ ام في فرض خطة عمل وطنيّة سلسة للمرحلة المقبلة؟

كل التوافقات او التحالفات او "إعلانات النوايا" تعني وضع عناوين وتفاصيل اتفاق سياسي. هل كان وقّع عون وجعجع على بياض في معراب؟ ام أنهما وقّعا على اتفاق؟ بالطبع هناك بنود وثوابت وشروط متبادلة. هذه هي السياسة.

لذلك يفرض طرح بري نفسه. بالتدقيق في شأن "السلة" او التوافقات على المرحلة المقبلة حكومياً و في قانون الانتخابات لا يبدو ان هناك مصلحة شخصية او خاصة لرئيس المجلس. هو كان اتفق مع وزير الخارجيّة جبران باسيل بشأن ملف النفط. كما حصل اتفاق بينه وبين "التيار الوطني الحر" حول مقاربة قانون الانتخابات، ما يعني ان الأزمة ليست بين بري وعون، بل هي في المرحلة التي تلي انتخاب رئيس للجمهورية. كيف سيجري تشكيل الحكومة؟

التحالفات تغيّرت. يحقّ لـ"حزب الله" ان يعرف أيضاً ماذا وعد "التيار" جعجع؟ هل بحقيبة "الداخلية" فقط؟ سبق ان قُدِّم نفس العرض القواتي على فرنجيّة ورفضه "البيك" كرمى لحلفائه اولاً. هذا جانب بسيط. ماذا عن الحقائب الأخرى ولا سيما السياديّة؟ هل من السهل توزيعها بعد تداخل التحالفات؟ من سيكون حليف "التيار" في الحكومة: القوات أم حزب الله؟

المطلوب من عون ان يحدد أيضاً أي قانون انتخابي سيعتمد؟

في المجالس أيضاً يدور كلام عن عدم القبول بقانون يعيد الستاتيكو نفسه. هل ستبقى الحكومة رهينة الأهواء الشخصية كما يجري في شأن بعض الملفّات؟ وماذا عن سياساتها الخارجية خصوصا مع حجم المتغيرات الإقليمية والدولية القادمة؟

القبول برئاسة عون قد تطمئن فريقاً لا يطمئن لسياسة الحريري في الحكومة في حال بقيت على حالها كما هي اليوم. والعكس صحيح عند فريق آخر في عدم الاطمئنان لسياسة "الجنرال" مقابل الاطمئنان للحريري. كل ذلك قد يعيق تكليف وتوزيع وتشكيل الحكومة.

اما قانون الانتخابات فمن يضمن إستيلاد قانون جديد يواكب التطورات من دون البقاء على قانون مفصَّل بحسب القياسات؟

اذا كانت الامور بسيطة داخلياً بتحميل فريق معيّن مسؤولية عدم بتّ أمر الرئاسة، لماذا يجول الحريري خارجياً وتحديداً يقصد موسكو في الأيام المقبلة؟

هل لتعزيز مستقبله السياسي بعلاقة مع قوة تترسّخ في الشرق؟

ستبقى الأسئلة تتراكم على الأقل من هنا حتى آخر الشهر الجاري. لكن المعلوم ان أمرَ التفاوض الجاري لا يتعلق فقط بترشيح "الجنرال" بل برئاسة الحريري للحكومة وتركيبتها ومستقبل لبنان السياسي الذي يحدده قانون الانتخابات.