من المسلم به ان المقاومة وحزب الله تحديدا فرض مرشحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون مرشحا وحيدا قادرا على الوصول الى سدة الرئاسة ان لم يكن بأجماع نيابي يحوز على أصوات جميع النواب الذين مدد لهم في مجلس انتهت ولايته فاقله بأجماع وطني شكلته مروحة المؤيدين والداعمين المتنوعة والتي تشمل كل الطوائف والمناطق اللبنانية، و انحصرت معارضة البعض لهذا الترشيح في اطار من طبيعة مصلحية شخصية ونظرة الى مستقبل وضعه وكيانه السياسي لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية من أي وجه من الوجوه.

ومنذ البدء التزم حزب الله بترشيح العماد عون للرئاسة التزاما مبنيا على قواعد أخلاقية وقواعد سياسية، وقال بالفم الملآن "ان شئتم رئيسا فهذا هو من يستحق المنصب وان رفضتم فانتظروا ولكن لن تاتوا برئيس غيره،" مؤكدا التزامه بمرشح رآه هو المؤهل والمتقدم عمن سواه. ولو استجاب الفريق الاخر لهذا الموقف يومها لانتخب العماد عون منذ 29 شهرا، والان وبعد ان استجاب باتت الطريق سالكة الى انتخاب بشروط حزب الله والفريق الوطني المتحالف معه وفي طليعته التيار الوطني الحر.

لقد التزم حزب الله أخلاقيا بترشيح العماد عون وفاءا لوعد قطعه على نفسه بلسان امينه العام في ساحة النصر في العام 2006 بان في رقبة الحزب دين الى يوم القيامة لكل من وقف معه في لحظة المحنة اثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان و ميشال عون كان في طليعة من وقف مع المقاومة و امن بانتصارها و دعا الى احتضان جمهورها الذي هجر ، قام بذلك رغم ان هذا الموقف كان شبه انتحار سياسي له و لتياره السياسي خاصة انه و على بعد 3 كلم من منزله و في عوكر كان سياسيون لبنانيون يتحلقون حول مائدة السفير الأميركي يتلقون التعليمات كيف يتصرفون عندما يهزم حزب الله و أي السكاكين يستعملون لتقطيع جسده . وبعد ال 2006 كان العماد عون مؤيدا صلبا للمقاومة ومدافعا عنها بكل ما اؤتي من قوة وبيان.

اما في السياسة وقد تكون عند البعض اهم من الاخلاق لكننا لا نراها كذلك، فقد رأى حزب الله ان وصول العماد عون الى الرئاسة يعني له ما يلي:

1) وصول القيادي المسيحي الأول الى المقعد المسيحي الأول، او بصيغة أخرى وصول المسيحي ذو القوة التمثيلية المسيحية الأعلى او المطلوب من اغلبية المسيحيين الى المقعد المسيحي الأول وفي ذلك تحقيق للعدالة الخاصة بلبنان الذي لا يعرف الديمقراطية الحقيقية بل يعتمد نظام فيدرالية الطوائف ويسميها الديمقراطية التوافقية. وهذا النظام يفرض ان يمثل الطائفة في السلطة اقواها تمثيلا واعتمادا من قبلها. وهذا ما فعله الشيعة في مجلس النواب وما فعله السنة في الحكومة فلماذا يكون المسيحيون والمرونة استثناء على القاعدة؟

2) وصول الشخص الذي رفعت المملكة العربية السعودية الفيتو بوجهه وحاولت ان تفرض عبر موقفها وصاية على لبنان، والكل يعلم انه عندما آذن مقعد الرئاسة للشغور ورشح العماد عون للمقعد وبدأ سبر اغواء القوى المحلية والإقليمية كان قول وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يومها قاطعا لمن سأله: "عون مرشح ​إيران​ ممنوع وصوله الى الرئاسة “. ثم رفضت السعودية أي محاولة لفتح قناة معها لإعادة النظر بهذا الموقف مذكرة دائما بان عون حليف حزب الله وهي عدوة الحزب فكيف تقبل بحليفه ودفع عون مرة أخرى ثمن تحالفه مع الحزب الذي ابرم تفاهم معه في شباط2006...لكن نجاحه في الوصول اليوم يعتبر تجاوزا لذاك الفيتو ونجاح لحزب الله .

3) وصول شخصية سياسية قوية مستندة الى قاعدة شعبية وقاعدة نيابية وقاعدة تحالفية وطنية عريضة ما يمكنها من تقويم الاعوجاج في الحكم ومحاربة الفساد في الدولة خاصة وانه صاحب فكر وتيار إصلاحي وبالتالي يكون وصوله بمثابة الفرصة لوضع حد لعملية النهب المبرمج لثروات الدولة وتعطيل مرافقها العامة لصالح الجيوب الخاصة. ولإحياء النصوص المعطلة ووضع حد للتحريف والانحراف عن القانون والدستور والاجتهادات البدع الي راجت في الأشهر الأخير حول تطبيقهما.

وبالتالي رأى حزب الله ان وصول العماد عون لرئاسة الجمهورية يشكل انتصارا له على الصعد كلها الأخلاقية والسياسية والاستراتيجية والوطنية حتى والإدارية، وفرصة لتصحيح تطبيق الطائف او حتى تعديل ما يستوجب التعديل من نصوصه حتى لا يضطر لبنان لاحقا الى 7 أيار جديد من اجل مواجهة الانحراف، ومن اجل هذا الانتصار رفع حزب الله شعارا بسيطا كبيرا: " تريدون رئيس انتخبوا عون او انتظروا الى ..." شعار تمسك به حتى اذعن الرافضون وسقطت الاعتراضات المانعة وبات طريق عون الى الرئاسة سالكا وبطمأنينة. ولكن بدأ الفريق المهزوم في خياراته المذعن لخيارات المقاومة يحاول ان يشوه الانتصار او حتى يسرقه، وللأسف ظهر البعض في فريق دعم المقاومة ومن غير قصد يعين هؤلاء في سعيهم التخريبي من غير ان يدري.

ان انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية اللبنانية يشكل و بدون ادنى شك انتصارا للمقاومة لانها فرضت خيارها ،و صحيح انها اضطرت للتضحية بقبول من هو سعودي الجنسية و السياسة مع جنسيته اللبنانية رئيسا لحكومة العهد الأولى الا ان الواقعية تفرض القول بان الانتصار المستقر القابل للاستثمار هو ما يمكن للخصم احتماله من هزيمة، وعملا بهذا المنطق كان على المقاومة ان تضحي بشيء يمكنها من تحقيق الانتصار هذا ويمكنها من استثمارها، ووجود ميشال عون في سدة الرئاسة مع وفائه وقوته يشكل ضمانة رسمية لسلاح المقاومة تضاف الى الضمانة الأساسية التي يشكلها السلاح بذاته و هذا هو بيت القصيد على صعيد الفريق الاخر.

والآن و لان المقاومة انتصرت راح المتسلقون على الانتصار و بوقاحة كلية يحاولون تجريد حزب الله من انتصاره مرة بالقول انه لا يريد رئيس و مرة انه لا يريد عون رئيسا و مرة بان نواب الحزب لن يصوت لعون و مرة بالقول بان تظاهرات سينظمها الحزب لقطع الطريق على انتخاب عون رئيسا في 31102016 المقبل ...الى ما هنالك من اختلافات و أكاذيب عرف مطلقوها أصلا بالأجرام و الفتنة و يصرون اليوم على تاريخهم .وهنا كان الموقف الحاسم و الرد الذي واجههم به السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير كان ضروريا لأفشال المسعى الاجرامي الاغتصابي هذا .

اما في مجتمع المقاومة فصحيح ان لمكوناته الحق بان يكون لهم رايهم السياسي و موقفهم و يجب ان يحترم لهم ذلك لكن الصحيح أيضا ان لا يتجاوز الموقف و الممارسة حدود اللعبة السياسية ضمن الفريق الواحد و الا يصل الى التسبب بالشرذمة و الانقسام اذ ليس معقولا ان يكون تبني ترشيح عون من قبل الخصوم موحدا لهؤلاء الخصوم و مفرقا للفريق الذي رشحه و دعمه و تمسك به حتى فرضه على الجميع و ليعلم الجميع في الصف الوطني المقاوم ان قطار الانتصار الذي يسير بثقة في لبنان و الإقليم لصالح محور المقاومة يتسع للجميع فلا يخطئوا الحسابات و يضيعوا مقاعدهم فيه من غير مبرر او دون ادراك ...