يبدو سفراء الدول الكبرى في بيروت منهمكين حاليا في متابعة التطورات السريعة التي تشهدها الساحة السياسية اللبنانية بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. فهم لم يلبثوا أن استوعبوا الانفراج الفجائي للأزمة الرئاسية التي رجّح قسم كبير منهم أن تستمر طويلا لارتباطها عضويا بالأزمة السورية، حتى وجدوا أنفسهم اليوم أمام اختبار تشكيل الحكومة التي يترقبون ما ستكون عليها تركيبتها النهائية.

ولا يُخفي هؤلاء اهتمامهم هذا أمام عدد من الزوار الذين يلتقونهم، حتى أن سفير دولة كبرى قال لعدد من المدعوّين أنّه قد تم استدعاؤه من قبل وزارة خارجيته ليعطي تفاصيل دقيقة حول مستجدات الوضع اللبناني الداخلي، وما آلت اليه عملية تشكيل الحكومة. ولهذه الغاية قام السفير قبيل سفره بسلسلة من اللقاءات أبرزها مع رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ للحصول على تفاصيل دقيقة خصوصا بعدما تبين أن معظم ما يتم الترويج له عبر وسائل الاعلام ليس صحيحا تماما.

بالمقابل، كشف مصدر سياسي ان سفير دولة أوروبية كبرى أبلغه صراحة ان بلاده ليست مستعدة للقيام بأي حركة باتجاه لبنان قبل تشكيل الحكومة والاطلاع على تركيبتها وبيانها الوزاري. وأوضح المصدر أن ما هو محسوم بالنسبة لباريس وواشنطن على حد سواء، التمسك ب​رياض سلامة​ حاكما لمصرف لبنان، مشددا على ان كل ما تم التداول به عن نيّة لتعيين بديل عنه لا يمتّ للواقع بصلة.

ورأت مصادر في قوى ​8 آذار​ ان ما نشهده حاليا من اهتمام اقليمي ودولي بلبنان "سيتكثّف قريبا باعتبار ان الصراع الدموي القائم بين محورين كبيرين في سوريا، سينسحب الى لبنان، ولكن بشكل آخر من خلال التهافت على تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للعهد الجديد". وأضافت المصادر: "بعد أن تهافت المسؤولون الايرانيون والسعوديون وحتى موفدو النظام السوري لتهنئة العماد عون بانتخابه رئيسا، سنلحظ دعما له لتظهير فكرة ان لا رابح وخاسر جراء التسوية الأخيرة وأن التوازن الداخلي سيبقى قائما".

وأشارت المصادر الى أن دول أوروبا واميركا تُظهر نوعا من الاهتمام غير المسبوق بالملفّ اللبناني اصرارا منهم على القيام باللازم لعدم ترك لبنان لسوريا وايران وحزب الله، بعد الحملة الاعلاميّة الغربية الكبيرة التي أوحت بعيد انتخاب العماد عون ان المحور الايراني–الروسي هو من انتصر وأنّه تم كفّ يد المحور الثاني، السعودي-الأميركي عن الداخل اللبناني.

بالمحصلة، يبدو أن المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد" سيكون شعار المرحلة المقبلة في لبنان، الذي سيستفيد والأرجح للمرة الأولى في تاريخه من صراعات الدول الكبرى التي ستتنافس هذه المرة على دعمنا، بعدما امتهنت على مر عشرات السنوات استخدامنا فتيلا لاشعال معاركها!