قطع "أصدقاء كامل أمهز" طريق المطار لساعات قليلة بعد ظهر امس، اثر اعتقال القوى الامنية (شعبة المعلومات) "صديقهم" كامل أمهز، صاحب محلات أمهز للأجهزة الخليوية. الأصدقاء أبرزهم بعض ابناء عائلته، منهم من قطع أيضا طريق بعلبك الدولية، ما سبّب ازدحام سير خانق. وقد علق المواطنون لساعات على الطرق. الخبر ليس هنا رغم التعطيل الذي طال مصالح المتنقلين على هذين الطريقين. الاهم ان الطريق اعيد فتحه، وعاد "الاهالي" كل الى بيته من دون ان تظهر اي تفاعلات أكبر على الأرض.

أمهز الضاحية الجنوبية اشهر من ان يعرف. قد يكون ابرز من اشتهر بتهريب اجهزة الخلوي الى لبنان، وهو كان يقوم بتجارته العلنية من مقره التجاري الشهير في منطقة بئر العبد منذ اكثر من 10 سنوات، والكل يعلم ان أمهز يحظى بغطاء يسمح له باستيراد كميات هائلة من التجهيزات الالكترونية والهواتف الخلوية ويقوم ببيعها في الاسواق وبسعر اقل مما يبيعه الوكيل التجاري الاصلي.

شهرة أمهز تجاوزت الحدود بسبب هذه الخصوصية التجارية، ولم يخطر في بال ايّ مواطن من الضاحية او خارجها، ان شركة امهز التي طالتها العقوبات الاميركية في العام 2014 في مركزها الاول في بيروت وفي فرعها بدولة الامارات العربية المتحدة، يمكن ان تعمل بهذا اليسر من دون غطاء، وتحديدا من قبل حزب الله. فهذه الشركة التي اتهمت من قبل وزارة الخزانة الاميركية بشراء تجهيزات لصالح حزب الله، ولاسيما طائرات استطلاع، بقيت تعمل بشكل طبيعي، واستمر نشاطها التجاري مع تعديل ربما في الاسم بما يتصل بالعلاقات التجارية مع الخارج. وعلى ما يتردد من متابعين لنشاط امهز التجاري، انه كان يستورد عبر مطار بيروت، ومن ضمن شبكة من داخل المطار ومن خارجه، ودائما تحت غطاء سياسي وامني لا يستطيع احد المسّ به، والدليل استمراره وانتشاره في الاسواق.

اعتقاله كان مفاجئاً وطرح تساؤلات بقيت رهن ما يمكن ان يجري على الارض امس. الاحتجاجات ظهر انها عفوية ومحدودة، ولا تقف وراءها جهة سياسية، وتحديدا حزب الله. وما زاد من الاعتقاد ان الأخير رفع الغطاء عن أمهز، هو قيام فرع المعلومات بالقاء القبض عليه بتهمة التهريب. قد لا يكون حزب الله متورطا في عمليات تهريب امهز بشكل مباشر، لكن امثال امهز كثيرون في البيئة اللبنانية والشيعية تحديداً، التي كان حزب الله يريد منها ان تواليه مقابل السماح لها بأن تفعل ما تشاء على قاعدة "كن مع المقاومة وافعل ما شئت". وما نقل عن مصادر حزب الله امس، انه لم يكن من غطاء اصلا فوق امهز وغيره من المهربين، لهي اشارة جيدة وموقف يشكر عليه حزب الله، لجهة التسليم بضرورة ان تقوم الاجهزة الامنية بواجباتها تجاه مقولة "مكافحة الفساد" لوقف استنزاف الاقتصاد اللبناني، واظهار ان حزب الله فعلا لا يحمي الفاسدين، وان كانوا يرفعون صور الامين العام لحزب الله على جدران مكاتبهم التجارية او على مداخل هذه المتاجر، كوسيلة استقواء على الدولة.

اعتقال كامل امهز يفتح الباب امام امكانية اعادة ضبط عمليات التهريب، والتهرب من الضريبة، والى التفاؤل بامكانية وقف الاعتداءات على الاملاك العامة، ووقف المخالفات بذريعة المقاومة او "اشرف الناس" في مناطق حزب الله. ولا شك ان امين عام حزب الله حين تحدث قبل اسابيع عن ضرورة عودة الدولة الى البقاع، ووقف الاستقواء عليها، كان يدرك ان الأوضاع الامنية وحال الفلتان الاجتماعي، وزيادة نسبة الجرائم على انواعها، باتت تثقل على بيئته قبل اي بيئة اخرى. من هنا يمكن القول ان المرحلة المقبلة هي مرحلة اختبار، لا سيما ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أسوأ احوالها منذ عقود، والبيئة الشيعية ليست افضل حالا من البيئات الاخرى على هذا الصعيد لكن شعورا بأن لا قدرة للاجهزة الامنية على القيام بواجباتها كاملة في هذه البيئة، ساهم بفتح شهية البعض على تجاوز القانون من دون خوف من الاجهزة الامنية.

هناك قصص وشواهد كثيرة يمكن ايرادها تؤكد ان هيبة الاجهزة الامنية منتقصة في الضاحية الجنوبية والبقاع وفي اكثر مناطق الجنوب. شواهد كثيرة يعرفها كثيرون، لكن يجدر بنا التفاؤل بأن حزب الله في وارد اعطاء خبز الامن الاجتماعي لخبازه. إذ لا أحد في الدولة اللبنانية يريد ان يعكر عليه قتاله "المقدس" في سورية، لكنه مطالب بأن يقدم اشارات ورسائل جدية الى البيئة الحاضنة لحزب الله، قبل الاستجابة لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان طالب اكثر من مرة بانهاء ظاهرة سرايا المقاومة، وبادر الى الغاء ترخيص جمعية حماة الديار، وحض كثيرا على فتح البؤر الأمنية أمام قوى الشرعية ورفع الغطاء عن المرتكبين، ثم أخذ يعمل على ملفات أمنية حساسة سعيا الى انجازات بعيداً عن الاستعراضات.

حزب الله يبدو انه جاد في ان تعود الدولة بعدتها الامنية فيما يتصل بحماية امن الناس وحياتهم اليومية، لكنه اختبار يتطلب وقتا لتتضح الصورة على حقيقتها.