لا تزال عملية تأليف أولى حكومات عهد الرئيس العماد ميشال عون ضمن المهلة المعقولة، اذا ما قيست بالمقارنة مع معظم الحكومات منذ عهد الاستقلال حتى يومنا هذا، باستثناء عهد الوصاية السورية، حين كان التشكيل يتمّ في السرعة القصوى.

ورأت مصادر سياسية ان انتخاب عون رئيسا للجمهورية بدّل في المعادلات السياسية التي كانت قائمة قبل انتخابه، لكنه افرز واقعا آخر يمكن ان يكون له انعكاسات إيجابيّة على الداخل اللبناني وفي المنطقة.

وتؤكد المصادر ان المستجد في العلاقات بين القوى اللبنانية الاساسيّة هو تحالف "القوات" والتيار "الوطني الحر" مع مؤشّرات صلبة بانه غير قابل للزعزعة، يُضاف اليه استحالة تبدل التفاهم الحاصل بين "حزب الله" والتيار "الوطني الحر" والثقة المتبادلة بين رئيس الجمهورية والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وكذلك التفاهم بين عون ورئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​.

وأوضحت المصادر نفسها ان مكانة ووضع لبنان لا يمكّنه من التأثير بشكل مباشر وفعال على الأوضاع القائمة في المنطقة، وبالتالي لا يستطيع لعب أي دور في تقريب وجهات النظر سواء بين إيران والسعوديّة، او في ما يجري في كل من العراق وسوريا واليمن، لكن دور الرئيس وبفعل العلاقات المستجدّة بينه وبين معظم القوى اللبنانية بات مخوّلاً لعب دور كبير في تقارب وجهات النظر بين الافرقاء الداخليين الذين يدورون سواء في فلك السياسة السعوديّة او تلك الإيرانيّة، الأمر الذي في حال نجاحه يمكن ان يؤثر ايجابا في وقت لاحق على علاقات هذه الدول بعضها ببعض.

لكن، المطلوب اليوم وبحسب هذه المصادر، ان تستوعب الكتل النيابيّة والزعماء السياسيون على مختلف انتماءاتهم هذا الواقع، وينطلقوا منه في مطالبهم لانجاح عملية التشكيل، لا الذهاب بعيدا في تحليلات البعض التي تروج لأمور لا علاقة لها بواقع الأحداث، وتضع العهد الجديد ورئيسه في تصورات سواء عن حسن نية او سوء نية، لا هو في وارد اعتمادها ولا المتعاطفون معه في وارد تصديقها.

ولفتت المصادر إلى أنّ المطلوب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي خوّله "حزب الله" التفاوض باسمه في عملية التشكيل الحكومي، ان يتعامل مع العهد ومع رئيس الحكومة المكلّف انطلاقا من اعتبارات غير تلك التي كانت لديه قبل الانتخابات الرئاسية، وهو كان معارضًا لرئاسة عون وشكل فريقا أساسيا من ذوي الأوراق البيضاء.

في المقابل، تعتبر هذه المصادر انه على أحد الافرقاء الذي اقترع لصالح العماد عون ولو بعد خصومة شرسة دامت سنوات عدة، وبالتحديد "​القوات اللبنانية​"، ان تعلم صعوبة دق إسفينٍ بين الرئيس و"حزب الله" وان تتعامل في مطالبها الحكومية على هذا الأساس، وان تنتهج القوى الأخرى ومنها الكتائب والقوى المسيحيّة المستقلّة التي اقترعت ضدّ عون نفس الخطى.

ولاحظت المصادر ان موقف رئيس تيار "المستقبل" المكلف تشكيل الحكومة الجديدة هو من اكثر المواقف إيجابية تجاه العهد، وتجاه حلفائه وخصومه بحيث يبدو ان حصته كرئيس للحكومة ستكون أضعف من حصّة أيّ رئيس وزراء سابق، ورغم ذلك فإنه يوظف علاقاته الجيّدة مع الجميع، لتكون حكومته تحمل اسم الوحدة الوطنيّة فعليًّا، لا حكومة متاريس بين وزراء يتصرّفون وكأنّ كل واحد فيها هو الحاكم، كما حصل في حكومة تمام سلام، مما أدى الى ضعف إنتاجيتها وحول رئاسة مجلس الوزراء الى صندوق بريد، خصوصًا وأنّ المهمّة الأولى للحكومة المنوي تشكيلها هي إقرار قانون انتخابات جديد، عجز اتفاق الدوحة وكل الحكومات والعهود السابقة عن تحقيقه.

وبانتظار ما ستؤول إليه الاتّصالات والمشاورات الجارية لولادة الحكومة المنتظرة، والتي تؤكد مصادر متابعة ان كل ما خَصّ التعاون والاتفاق بين عون والحريري قد استكمل، وان تفاهما تامًّا حصل بما يتعلق بالحصص المسيحيّة والرئاسيّة وحصّة رئيس الحكومة المكلف، فإنّ الكرة الآن في ملعب نبيه بري والثنائي الشيعي.

وخلصت المصادر الى اعتبار أنّ إنجاز التشكيلة الحكومية في اقرب فرصة ممكنة، يتطلّب تدخّل "حزب الله"، وبشكل قويّ مع بري، والتفاهم معه للتسهيل، وإلا فإنّ ما يتردد بأن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء المكلّف سيعمدان الى إعلان حكومة متوازنة تمثل الجميع سيكون من الصعب على أي فريق رفضها، واذا فعل ذلك، سيتحمل وحده مسؤوليّة التعطيل وعدم إقرار قانون للإنتخابات وإجرائها في موعدها، والذي هو مطلب المسؤولين من كل الفئات واللبنانيين في الدرجة الاولى.