تفاجأ الوزير ميشال فرعون بسحب وزارة السياحة منه، وإعطائه وزارة دولة "لشؤون التخطيط"، ضمن سلسلة الحقائب "المبتكَرة" التي تمّ استحداثها في الحكومة. تفهّم الموضوع، ولم يتمرّد، صحيح، لكنّه، وبكلّ بساطة، انتظر اتصالاً يوضح له "فحوى" هذه الوزارة وما المطلوب منه، ويبدو أنّه سينتظر طويلاً.

ومثل فرعون، هبط اسم النائب ​جان أوغاسابيان​ في اللحظة الأخيرة على حكومة "الوفاق الوطني"، بعد إخراج حزب "الكتائب" منها، فأسندت له حقيبة دولة "لشؤون المرأة" في ابتكارٍ لبناني غير مسبوق. وإزاء "الصدمة" التي تسبّب بها الموضوع، لناحية أنّ "رجلاً استلم وزارة المرأة"، خرج أوغاسابيان ليقول أنّه "لو أعطي الخيار، لما اختار سوى هذه الحقيبة".

فرعون وأوغاسابيان ليسا سوى "عيّنة" من حكومة ​سعد الحريري​ الثانية، التي حملت معها حقائب "مخترقة" كالعادة، تسلّمها من هم من غير أصحاب الاختصاص، وأخرى "مبتكَرة" لم يفهم الوزراء أنفسهم، قبل المواطنين، المغزى منها...

ابتكارٌ أم احتيال؟

على الرغم من إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على عدم تحميل الحكومة أكثر ممّا تحتمل، حتى لجهة توصيفها بـ"حكومة العهد الأولى"، فإنّ هذه الحكومة حملت بالفعل الكثير من المفاجآت مع ولادتها، لعلّ أبرزها الحقائب غير المسبوقة في تاريخ الحكومات اللبنانية، على غرار وزارة الدولة لشؤون النازحين، وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد، وزارة الدولة لشؤون ​رئاسة الجمهورية​، وزارة الدولة لشؤون المرأة، وزارة الدولة لشؤون التخطيط، ووزارة الدولة لحقوق الإنسان.

وإذا كان الوزير ميشال فرعون الذي استلم الحقيبة الخاصة بشؤون التخطيط لم يتردّد في "المجاهرة" بعدم فهمه صراحةً لما هو مطلوبٌ منه، فإنّ المنطق يقضي بأنّ الشعور الذي انتابه مشترَكٌ بينه وبين جميع من استلموا هذه الحقائب المستحدَثة، بل إنّه يمكن القول أنّ من "استحدث" هذه الحقائب نفسه لم يكن يعرف في قرارة نفسه ما هو المطلوب من الوزراء الذين سيستلمونها، خصوصًا أنّ "وزارة الدولة" بحدّ ذاتها هي حقيبة سياسية ليس إلا، كما يعرف القاصي والداني، تعطي صاحبها الحق بحضور جلسات مجلس الوزراء والمشاركة في صنع القرار فيها، وليس أكثر من ذلك.

عمومًا، قد لا يكون من المبالغة القول أنّ استحداث هذه الحقائب لم يأتِ عن سابق تصوّر وتصميم، بل في اللحظة الأخيرة بفعل اضطرار القيّمين على الحكومة توسيعها من صيغة الـ24 وزيراً التي كان قد اتُفِق عليها إلى صيغة ثلاثينية تضمن تمثيل جميع الأفرقاء، واصطدامهم عند ذلك بـ"نبذ" وزارة الدولة من الجميع دون استثناء، باعتبارها "تنتقص" من شأنهم، خصوصًا مع انطلاق مبدأ "المقارنات" على الطريقة "الطفولية"، إذ كيف ينتزع هذا الفريق حقيبة أساسية أو خدماتية مثلاً، ويرتضي خصمه بحقيبة دولة ليس إلا.

صلاحيات غامضة...

من هنا، يصبح مسلّماً به بأنّ استحداث هذه الحقائب قد يكون من باب "الاحتيال" أو "المناورة السياسية"، إذ إنّ معظم من تسلموا حقائب دولة في هذا الإطار ما كانوا ليرضوا بها لو لم تكن الإضافات التي مُنِحت لها أعطتها المزيد من "التشويق"، ولو كان الأمر "ظاهريًا" ليس إلا.

ولكن، أبعد من واقع الحقائب والهدف من استحداثها، يبقى الواضح أنّ "الصلاحيات" الممنوحة لهؤلاء الوزراء بقيت غامضة، فإذا كان مفهوم "شؤون التخطيط" فضفاضًا جدًا مثلاً، إلا أنّ ما أثار الكثير من "الالتباس" هو تخصيص وزارة لمكافحة الفساد، فكيف يكافح وزيرٌ ما الفساد، و"رموز" الفساد معه على الطاولة بشكلٍ أو بآخر، باعتبار أنّ الطبقة السياسية الممثّلة في مجلس الوزراء هي المتهمة أصلاً بممارسة الفساد، والأغرب من كلّ ذلك أنّه يجاهر أنّه سينسّق مع زملائه الوزراء في سبيل ذلك، علمًا أنّ مكافحة الفساد يفترض أن تكون أولوية كلّ الوزارات في المبدأ.

وفي حين احتلّت وزارة "شؤون المرأة" حيّزاً كبيراً من النقاش، نظرًا لتربّع "رجل" على رأسها، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت المهام المطلوبة منه فتح مكتبه للسيدات والاستماع إلى شكاويهنّ ومطالبهنّ، فإنّ مجرّد استحداث مثل هذه الوزارة أثار حفيظة الكثير من النساء، اللواتي رأين في الأمر أصلاً "إهانة" لهنّ، تُضاف إلى إهانة تمثيلهنّ بوزيرة واحدة من أصل ثلاثين، في حين أنّ بعض الحكومات في الغرب تعترف بـ"المناصفة" لهنّ في توزيع الوزارات بين الرجال والنساء، خصوصًا انّ المرأة تمثّل أكثر من نصف المجتمع.

ويسري الأمر نفسه على وزارات شؤون النازحين وحقوق الإنسان وصولاً حتى إلى شؤون رئاسة الجمهورية، ما أوحى وكأنّ المطلوب اختراع بعض "الأسماء" لحقائب الدولة ليس أكثر، خصوصًا في حكومةٍ قد يكون صعبًا على من استلموا الحقائب الأساسية فيها تحقيق أيّ شيءٍ نظرًا لعمرها القصير، فكيف بالحري مع حقائب لم يسبق لها مثيل، وقد يحتاج مستلموها لكلّ عمر الحكومة لفهم معالمها فقط لا غير.

مشكلة قديمة جديدة...

وبعيدًا عن الحقائب "المستحدَثة"، خيّبت حكومة سعد الحريري الثانية آمال اللبنانيين وتطلعاتهم ظاهرياً أيضاً، فكرّست المفهوم القديم الجديد الذي لا يبدو أنّه سيتغيّر، بـ"تكريسها" منطق "الرجل المناسب في المكان غير المناسب"، لدرجة أنّ العديد من الأحزاب السياسية حدّدت أسماء "وزرائها" قبل أن تعرف ما هي الحقائب التي ستُعرَض عليها، وما إذا كان هؤلاء "الوزراء" مؤهَّلين لها أم لا.

وعلى الرغم من أنّ هذه المشكلة قديمة جديدة، عرفتها معظم الحكومات المتعاقبة على لبنان منذ سنوات طويلة، إلا أنّها بدت فاقعة في هذه الحكومة أيضاً، إذ إنّ الكثير من الوزراء هم أصحاب سيرة ذاتية مشرّفة وسجلّ مهني ممتاز، ولكنّهم ببساطة سُلّموا حقائب لا تتناسب مع اختصاصهم. وقد تكون الوزيرة عناية عز الدين من الأمثلة التي أثيرت ضجّة حولها، إذ إنّ الطبيبة كانت تستحقّ برأي كثيرين وزارة الصحّة على سبيل المثال، لا التنمية الإدارية التي لم تدخل يومًا في صلب اختصاصها. ولعلّ ما أثار الكثير من الاستهجان هو سحب ​وزارة التربية​ مثلاً من الوزير الياس بو صعب، صاحب الخبرة الجامعية والاكاديمية الوفيرة، إلى الوزير مروان حمادة، الآتي من عالمٍ مختلفٍ كلياً، وكذلك إسناد وزارة الشباب والرياضة إلى الوزير محمد فنيش، الأمر الذي دفع الشباب للتحسّر على وزارة مسمّاةٍ على اسمهم، ولم تُعطَ إلا في ما ندر للشباب، علمًا أنّ هناك الكثير من القيادات الشبابية القادرة على استلام هذه الوزارة في كلّ الأحزاب، ومن بينها "حزب الله" بطبيعة الحال، وهو الذي نجح في الانتخابات البلدية الأخيرة في إيصال مرشحين من الشباب للمجالس البلدية.

قد يقول قائل أنّ هذه الحكومة هي حكومة سياسية وليست حكومة "تكنوقراط"، وبالتالي فإنّ منطق "الرجل المناسب في المكان المناسب" لا تنطبق عليها، ولكنّ هذه النظرية مردودة أيضاً، لأنّ الأحزاب السياسية تمتلك الكثير من الكفاءات المناسبة لكلّ الوزارات، وبالتالي فإنّ المطلوب منها كان انتقاء المناسب في المكان المناسب، لا إسقاط الاسم المنتقى سلفاً على ايّ حقيبة، سواء لاءمته أم لا...

العبرة في التنفيذ...

هي مجرّد انتقادات "شكلية" للحكومة الجديدة في الظاهر، كان لا بدّ من الإضاءة عليها، على أمل أن يتمّ تصحيحها مع "حكومة العهد الأولى" التي ستأتي، وفق التوصيف "العوني"، بعد الانتخابات.

إلا أنّها لا تقلّل بأيّ شكلٍ من الأشكال من التعويل الكبير على هذه الحكومة في إطلاق العهد كما يجب، خصوصًا لجهة التحضير للانتخابات وفق قانون عصري وحضاري، وهي إذا ما حقّقت هذا الإنجاز، فإنّ اللبنانيين لن يذكروها إلا بالخير في نهاية المطاف...