صدر عن معهد ابحاث الامن القومي في تل ابيب، التقدير الاستراتيجي السنوي لإسرائيل 2016-2017. وكما هي الاجراء المتبع في كل عام، عمد التقرير الى توصيف التهديدات والفرص في البيئة الاقليمية والدولية لاسرائيل، مع تحليل اثارها وتداعياتها وعرض توصيات للمؤسستين السياسية والامنية، لبلورة سياساتها وخياراتها، في الاتجاهين السياسي والعسكري

تميّز التقدير الاستراتيجي السنوي الذي يصدره ابحاث الامن القومي في تل ابيب، العام الماضي، بالـ»لا يقين» تجاه أكثر من ساحة تهديد. الا انه جاء هذا العام اكثر مباشرة واسهابا في توصيف الاوضاع والتهديدات والفرص، مع عرض لتوصيات، قد ترقى الى أن تكون خيارات عملية متاحة أمام اسرائيل، للحدّ من التهديدات، ولتلقف الفرص والبناء عليها.

اللافت في التقرير الجديد لهذا العام، والذي صدر أمس في 200 صفحة، احتلال تهديد حزب الله رأس سلم التهديدات، ربطاً بقدراته العسكرية المتعاظمة التي من شأنها ان تحد من خياراتها في مواجهته، وتفرض على اسرائيل، بحسب التقرير، ان تستعد بما يتلاءم مع إمكان نشوب مواجهة عسكرية، رغم التقدير بأن «معقوليتها منخفضة».

واحتل التهديد الايراني المقام الثاني في سلم التهديدات، بعد تأجيل استحقاق التهديد الوجودي لاسرائيل إثر لاتفاق النووي، من دون ان يلغي ذلك تهديداتها التقليدية واتساع نفوذها وحضورها في الساحات المتاخمة لاسرائيل ما يستدعي تحضيرا لمواجهته والحد منه. واحتلت الفصائل الفلسطينية المقاومة المرتبة الثالثة، فيما جاءت الجماعات المسلحة في سوريا وسيناء المصرية، ومن بينها تنظيم «داعش»، في المركز الاخير، بناء على تقدير ان هذه الجماعات غير معنية بمواجهة مع اسرائيل، وهي ليست مشمولة ضمن لائحة اهدافها.

وفي ما يأتي أهم التوصيات التي أوردها التقرير:

تعزيز العلاقات مع الادارة الاميركية الجديدة

على اسرائيل ان تدرك بأن الولايات المتحدة هي الشريك الرئيسي لها في مواجهة التحديات الامنية والسياسية. وعليها ان لا تنجر وراء سراب خادع لدول عظمى بديلة، كروسيا والصين، غير القادرتين على تأمين ما يمكن لاميركا تأمينه لاسرائيل، باستثناء ما يرتبط بعلاقات صداقة (روسيا) او فوائد اقتصادية (الصين). ويجب على اسرائيل ان تسارع الى ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة واعادة الثقة الشخصية مع قادتها الجدد، مع تفاهمات استراتيجية: حول مواجهة ايران وطموحاتها في المنطقة، منع نقل التسوية الى ايدي الاوروبيين، وتفاهم حول دور روسيا السلبي في سوريا والداعم لايران وحزب الله، مع التشديد على ضرورة العمل المشترك لدعم مصر والاردن وتعزيز مكانتهما.

الاستعداد لمواجهة شاملة ضد حزب الله وحماس

على اسرائيل ان تحرص على منع نشوب مواجهات عسكرية والعمل على الحد من مخاطر اندلاعها. وفي ما يتعلق بحزب الله تحديداً، احتمال التصعيد والمواجهة مبني على مساعي اسرائيل لاحباط تزوده بالسلاح واعتراض شحنات نقله، وكذلك محاولاته التمأسس عسكريا وإقامة قواعد عسكرية في الجولان، وهي محاولات قد يكتب لها النجاح خلال الحرب القائمة في سوريا، وايضا في حال انتصار واضح للرئيس السوري بشار الاسد. ولهذه السبب، على اسرائيل ان تدرس دوريا سياستها في مجال منع نقل السلاح الى الحزب والتخفيف من احتمالات المخاطرة بحصول تصعيد. وفي الوقت نفسه، مواصلة جمع المادة الاستخبارية عن حزب الله ومكوناته العسكرية، كي تكون قادرة على توجيه ضربة مسبقة قبل اندلاع المواجهة، او خلال فترة قصيرة جدا من اندلاعها. وعلى اسرائيل الاستعداد لاجراءات ضد البنية التحتية اللبنانية وعدم تمييزها عن حزب الله، على ان تكون جزءاً من المساهمة في الحسم العسكري والاستراتيجي.

آخر الجنود

الاسرائيليين الذين قاتلوا تسرّح بينما لحزب الله آلاف المقاتلين

وخلافاً للماضي، على اسرائيل ان تدرك ان توجيه ضربة الى حزب الله في لبنان قد يجر ايران الى مواجهتها، حيث تتمركز قواتها وقوات حليفة لها في سوريا. ونتيجة لوجودها هناك، ستكون اسرائيل مقيدة جراء تواجد قوات روسية في سوريا، مع غطاء حماية لمنظومات الدفاع الجوي الروسي التي تغطي ايضاً الاجواء اللبنانية والاسرائيلية على السواء، وكل ذلك في موازاة التعاون الاستخباري الاستراتيجي بين روسيا وحزب الله.

مواجهة تعزيز حزب الله وايران في سوريا

تعزيز مكانة المحور الراديكالي في سوريا، بدعم روسي، يوجب على اسرائيل ان تعمل برؤية بعيدة المدى، وفي اساسها ازالة تهديد هذا المحور في الساحة الشمالية. عليها ان تساهم بشكل فاعل، لكن مدروس جيدا، لافشال هذا المحور، ومنع نقل سلاح نوعي الى حزب الله في لبنان، وتدفيع حزب الله ثمن اي اضرار بها، مع منع التموضع المعادي على حدودها، اضافة الى مواصلة المساهمة في الدعم الانساني للسكان السنة المعتدلين، خلف الحدود مع سوريا.

إزاحة الاسد

في العام الاخير، برزت تغييرات كبيرة في مجريات الحرب في سوريا. وبعد التدخل الروسي، الى جانب تدخل ايران وحزب الله، تعزز المحور الراديكالي المعادي لاسرائيل: الاسد وايران وحزب الله، الامر الذي مكن الاسد من استعادة زمام المبادرة واستعادة جزء كبير مما خسره في الحرب. لكن عودة سيطرة النظام على ما كان عليه عام 2011، امر مستبعد، ولا يبدو انه سينجح في المستقبل ايضا.

السيناريو الافضل من جهة اسرائيل هو في اسقاط نظام الاسد، وبطبيعة الحال الى جانب ابعاد ايران وحزب الله عن سوريا. كما ان من مصلحة اسرائيل هزيمة تنظيم «داعش» على ان يقام في موازاة ذلك «نظام معتدل» في سوريا، تماما كما يتحقق هذا المنحى، وإن بشكل مصغر، في الجولان، حيث ينجح المتمردون في مواجهة الاسد و»داعش». لكن هذا السيناريو، الافضل لاسرائيل، لا يبدو انه سيتحقق ولم يعد معقولا في ظل التدخل الروسي والايراني في المعركة القائمة هناك.

ويجب التشديد على ان تعزز المحور الراديكالي في سوريا، الذي تقوده ايران وروسيا بالتعاون مع حزب الله، يعد من ناحية اسرائيل تطورا استراتيجيا سلبيا، وعليها ان تعمل على بلورة خيارات تهدف الى اضعاف هذا السيناريو ومنع نشوئه، رغم الدعم الروسي لسيناريو كهذا.

تعزيز العلاقات مع الدول الخليجية

نتيجة للحوار القائم بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول خليجية اخرى، يتبين ان العملية السياسية مع الفلسطينيين، حتى وإن لم توصل الى نتائج واتفاق كامل، من شأنها ان تتيح تحسنا في العلاقات مع هذه الدول وتجعلها علنية. صحيح ان مركزية فلسطين لم تعد قائمة لدى الانظمة العربية، لكنها مهمة لجمهور هذه الانظمة. العملية السياسية مع الفلسطينيين، كما هو موصى به حتى وإن لم يصل الى نتائج، يعد فائدة اسرائيلية استراتيجية ويمكن قبولها اقليميا كدولة شرعية في المنطقة.

ويعد معهد ابحاث الامن القومي في تل ابيب أحد اهم المراكز البحثية المتخصصة بالشأن الاستراتيجي السياسي والعسكري والامن القومي، وهو من المراكز غير الحكومية الرديفة للمؤسسات الرسمية التي تعنى برصد التهديدات والفرص وتقديم التوصيات حولها. واضافة الى التقدير الاستراتيجي السنوي، تصدر عن المعهد دوريات وأوراق بحثية متخصصة، الى جانب تنظيم ندوات تعنى بالامن القومي في كافة المجالات. وهو يضم باحثين من اصحاب الخبرة والاختصاص في المجالات الامنية والسياسية، ومعظم خدم طويلا في الجيش الاسرائيلي، وخصوصاً شعبة الاستخبارات والتخطيط والعمليات. ويرأس المركز منذ عام 2011، اللواء عاموس يدلين الذي تولى مناصب عسكرية واستخبارية ودبلوماسية، ومنها رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية.

تهديد حزب الله في المقام الاول

يشير التقرير السنوي لمعهد أبحاث الامن القومي الى تعزيز كبير في قوة حزب الله، الذي تجاوز مرتبة التهديد الايراني. في السنة الماضية كانت ايران في المرتبة الاولى، وبدا حزب الله نازفا في سوريا ومردوعا من إسرائيل. الا ان الواقعة وقعت خلال هذه السنة، عندما عاينت المؤسسة الامنية والجيش الاسرائيلي كيف نجا (الامين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله من المستنقع السوري، وواصل نقل السلاح النوعي من ايران الى مخازنه في لبنان وبات متسلحا بسلاح كاسر للتوازن. وهذه هي المرة الاولى، منذ بدء تعاظمه العسكري، تنظر اليه اسرائيل على انه تهديد حقيقي.

القادة العسكريون في اسرائيل توقفوا منذ زمن بعيد عن احصاء كمية الصواريخ الهائلة، وانتقلوا الى تصنيف الصواريخ حسب نوعها. يجب ان تقلق هذه النتيجة كل شخص في اسرائيل. لدى حزب الله اليوم سلاح دقيق، يمكنه أن يضرب كل نقطة على خريطة إسرائيل. لديه قدرات تردع سلاح الجو الاسرائيلي، مع طائراته المتملصة، وتردع سلاح البحرية، مع سفن الصواريخ لديه، كما تردع سلاح البر.

في الوقت الذي تعلم فيه الجيش الاسرائيلي تعاون كل الاذرع لديه في المعركة، يقابل ذلك جمع خبرة عملياتية قتالية من جانب حزب الله لا مثيل لها حتى لدى افضل المقاتلين في الجيوش النظامية. آخر الجنود النظاميين في الجيش الاسرائيلي، الذي شارك في قتال، تسرّح في هذه الايام، بينما في المقابل، الاف المقاتلين يحتفظ بهم حزب الله، على الحدود اللبنانية – السورية.

أمران هامان يجب ان يكونا حاضرين لدى الجمهور الاسرائيلي: الاول ان الجيش الاسرائيلي يستعد للامر الفظيع ويعمل على ابعاد المواجهة قدر الامكان. الامر الثاني ان الجبهة الداخلية غير جاهزة وكل شيء سينهار هنا.