شدّ الحبال الحاصل اليوم بشأن قانون الإنتخابات النيابيّة يدخل في صلب المعركة الإنتخابيّة المُقبلة، حيث لمُختلف الأطراف الكثير من المخاوف والرغبات. وإذا كانت الجهات والأحزاب السياسيّة تتحدّث عن هذا القانون أو ذاك، سلبًا أم إيجابًا، فإنّ خلفيّات هذه المواقف لا علاقة لها بعدالة أو بديمقراطية أو بمدى صحّة تمثيل هذه القوانين، وتُخفي معركة شرسة للسيطرة السياسيّة على البلاد في المرحلة المُقبلة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

"حزب الله" الذي يضغط لتمرير مُطلق أيّ قانون قائم على النسبيّة وفق دوائر إنتخابيّة كبيرة الحجم قدر المُستطاع، يعلم جيّدًا-إنطلاقًا من نتائج الإنتخابات النيابيّة التي جرت في العام 2009، أنّ للقوى المحسوبة على "محور المُقاومة"، حُضورًا قويًا داخل كل من البيئتين السنّية والدرزيّة، الأمر الذي يسمح لهؤلاء بالفوز بالعديد من المقاعد النيابيّة على حساب تراجع كتلتي "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، في حال تطبيق مبدأ النسبيّة. وكلّما كانت الدوائر الخاصة بقانون النسبيّة مُوسّعة، كلّما زادت فرص هذا الفوز وإتسع حجمه، علمًا أنّ حجم المُعارضة داخل البيئة الشيعيّة ضعيف ولا يسمح بفوز مجموعة من النوّاب المُعارضين للثنائيّة الشيعيّة الحاليّة. وبموازاة رغبة "حزب الله" التصويت على قانون يعتمد مبدأ النسبيّة لضرب وإضعاف قوى "14 آذار" أكثر فأكثر، يُعارض "الحزب" في المُقابل تمرير أيّ قانون قد يسمح بتهميش شخصيّات محسوبة عليه، ومنها نوّاب كتلة "لبنان الحر الموحّد" وكتلة "الحزب القومي السوري" على سبيل المثال لا الحصر. كما أنّ "الحزب" لن يُسهّل تمرير أيّ قانون يكون نتيجة توافق كل من "التيّار الوطني الحُرّ" وضمنًا "القوات اللبنانيّة" من جهة، و"تيّار المُستقبل" وضُمناً "الحزب التقدمي الإشتراكي" من جهة أخرى، خشية أن يتمكّن هؤلاء من تشكيل أغلبيّة عدديّة في المجلس النيابي كافية لتمرير مُطلق أي قانون أو تشريع من دون التوافق مع باقي القوى السياسيّة في البلاد.

بالإنتقال إلى "تيّار المُستقبل" الذي يرغب ببقاء "قانون الستّين"، فهو يُعارض "قانون النسبيّة" بشدّة لأنّه يُفقده جزءًا كبيرًا من كتلته النيابيّة، ويُزيل تأثيره الحاسم على عمليّة التصويت في الكثير من الدوائر الإنتخابيّة المُختلطة. وعلى الرغم من أنّه مُحقّ في مسألة "سلاح حزب الله" الذي يؤثّر على كثير من الناخبين، لجهة الخوف من المُجاهرة بمُعارضة "الحزب"، فإنّ هذا الواقع قائم بشكل دائم بمعزل عن طبيعة القانون الإنتخابي، وبالتالي لا ينطبق حصرًا على قانون النسبيّة، كما يقول "المُستقبل". ولا شكّ أنّ "التيّار الأزرق" يُعارض أيّ قانون يفقده النوّاب المسيحيّين الذين يصلون بأصوات ناخبيه السنّة، شأنه في ذلك شأن "الحزب التقدّمي الإشتراكي"، والمسألة لا تنحصر بقانون النسبيّة. لكنّ هذا القانون بالتحديد يُؤدّي إلى فوز حتمي لشخصيّات مُعارضة لكل من "المُستقبل" و"الإشتراكي"، بدعم من أصوات ثلث الناخبين السنّة والدروز، كما أظهرت نتائج إنتخابات العام 2009.

أمّا "التيّار الوطني الحُرّ" الذي يتمنّى لو يمرّ "القانون الأرثوذكسي" ليُصبح "وقف العدّ" في لبنان حقيقة ملموسة، وليس مجرّد شعارات طنّانة غير مُنفّذة على أرض الواقع، فهو يرغب-ومعه حزب "القوات اللبنانيّة"، بتحرير أكبر عدد مُمكن من المقاعد الأربعة والستّين المَمنوحة للمسيحيّين من هيمنة باقي الطوائف والمذاهب، لجهة إستعادة القُدرة على الفوز بها من دون تأثير أصوات الناخبين الشيعة والسنّة والدروز. ويخشى "التيار الوطني الحُرّ" أيضًا ألاّ يتم اللجوء إلى قانون إنتخابي جديد قادر على إحداث تغيير في الطبقة السياسيّة، ما يعني حُكمًا التمديد للحالة القائمة منذ سنوات طويلة، وإفشال العهد "الإصلاحي والتغييري" من بدايته.

إشارة إلى أنّ الفشل الأخير في تمرير "القانون المُختلط" لم يحصل نتيجة مُعارضة بعض الأحزاب الصغيرة، وبعض الشخصيّات السياسيّة المناطقيّة، بل خُصوصًا نتيجة الخلافات بين "حزب الله" من جهة و"تيّار المُستقبل" من جهة أخرى. وأيّ قانون سيتوافق عليه كل من "الثنائي الشيعي" و"المستقبل" و"التيار الوطني الحُر" ومعه "القوات اللبنانيّة" من خلف الستار، سيسلك طريقه إلى التنفيذ وفق الآليّات الدستورية المعهودة من الحكومة إلى المجلس النيابي، بغضّ النظر عن حجم المعارضة الداخليّة له.

في الخلاصة، طالما أنّ لا توافق بين أطراف "اللجنة الرباعية"، فلا مجال لأن يُبصر أي قانون جديد النور، ما يجعل الإحتمال كبيرًا بأن يدخل لبنان بين حدّي إجراء الإنتخابات وفق "قانون الدوحة" بحكم الضرورة وأمر الواقع، أو أن يتم إرجاء الإنتخابات مُجدّدًا، أكان عبر التمديد أو عبر الفراغ، ما لم تتنازل الجهات الأساسيّة المعنيّة عن جزء من أهدافها. والأكيد أنّ خيار الفراغ يعني تلقائيًا فقدان الهيئة التشريعيّة المطلوب وُجودها للمُصادقة على أي قانون إنتخابي جديد، إضافة إلى كل التشريعات ومشاريع القوانين، ما يجعل خيار الفراغ أقرب إلى الموقف الإعلامي الضاغط، بعكس خيار "قانون الستّين" الذي قد يعود من النافذة بعد إخراجه من الباب، حى لو سبقه إعتراض وتصعيد سياسي وإعلامي وحتى ميداني، من قبل بعض الجهات!