قبل أيام قليلة، كانت ​الحكومة التركية​ تقدم أوراق إعتمادها إلى المسؤولين الأميركيين، بعد سيطرة قوات "درع الفرات" المدعومة من قبلها على ​مدينة الباب​، للمشاركة في معركة تحرير مدينة الرقّة، المعقل الرئيسي لتنظيم "داعش" على الساحة السورية، لكنها في الأيام الماضية تلقت ضربات قاسية تقطع الطريق أمامها.

بالنسبة إلى أنقرة، كانت السيطرة على الباب، بالإضافة إلى وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، بارقة أمل بالعودة إلى المربع الأول، بعد أن نجحت عبر التقارب مع الجانب الروسي بالدخول الى الساحة السورية بشكل مباشر، لكن ما لم تتوقعه هو أن هامش المناورة لديها سيكون محاطاً بمجموعة من الخطوط الحمراء، الأمر الذي ترجم سريعاً من خلال الزيارة التي قام بها قائد العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل إلى المناطق التي تسيطر عليها "​قوات سوريا الديمقراطية​"، ذات الأغلبية الكردية، في الشمال السوري.

في هذا السياق، لم تكن أنقرة راضية عن هذه الزيارة التي تعكس إستمرار الدعم الأميركي إلى الأكراد، كما كان الوضع في عهد الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما، خصوصاً أن دخولها إلى الأراضي السورية كان بهدف قطع الطريق أمام مشروعهم الفيدرالي، فهي تعتبر أن هذه القوات هي العدو الأول بالنسبة لها، لا بل تُصر على تصنيفهم منظمة إرهابية، كـ"داعش" و"النصرة"، نظراً إلى تداعيات نجاحها في تحقيق مشروعها على الأوضاع التركية الداخلية، حيث تخوض القوى الأمنية مواجهات مع الأكراد الأتراك.

هذا الواقع، الذي تدركه تركيا جيداً وكانت تسعى إلى الإلتفاف عليه بعد السيطرة على الباب، من خلال إعلان رغبتها في المشاركة في عملية تحرير الرقة، عبر فصائل المعارضة السورية المدعومة من جانبها، داعية الولايات المتحدة إلى التعاون معها على هذا الصعيد، وجهت له دمشق ضربة قاسية في العملية العسكرية التي تقوم بها في ريف حلب الشرقي، أي في جنوب الباب، حيث نجحت مؤخراً في السيطرة على مدينة تادف، ما يعني من الناحية العملية الإقتراب من قطع الطريق إلى الرقة أمام أنقرة، التي باتت بحاجة للمشاركة في عملية تحريرها إلى التنسيق مع الأكراد أو ​الجيش السوري​.

ضمن هذا الإطار، يمكن فهم المواجهات التي حصلت مباشرة بين القوات المدعومة من أنقرة والجيش السوري، نظراً إلى أن سيطرة دمشق على تادف تعني أن تركيا نجحت في تحقيق أحد أهدافها، أي منع الأكراد من وصل الكانتونات التي يشملها مشروعهم الفيدرالي، لكنها من جهة ثانية ستكون مضطرة إلى التوقف عند هذا الحد، لأن خيارات التوسع باتت صعبة جداً، تضعها أمام إحتمال الصدام مع الأكراد أو الجيش السوري، لا سيما بعد أن اقترب الأخير من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في ريف منبج، بعد سيطرته على جبل الخفي، وبذلك قطع بشكل كامل الطريق على قوات "درع الفرات" للتقدم جنوباً باتجاه الرقة.

على هذا الصعيد، ينبغي التذكير بأن الأكراد ودمشق يصران منذ اليوم الأول على وصف القوات التركية المتواجدة على الأراضي السورية بالمحتلة، بالرغم من إصرار أنقرة على القول أنها تحارب الإرهاب المتمثل بـ"داعش"، إلا أن ما حصل قد يكون من ضمن مندرجات الإتفاق الروسي التركي، لا سيما أن القوات السوريّة دخلت إلى تادف بعد 24 ساعة من إنسحاب "داعش" منها.

بعد هذه التحولات تكون "درع الفرات" أمام خيارات محددة، أبرزها الإكتفاء بالمنطقة التي تسيطر عليها حالياً لتكون الآمنة التي طالبت بها تركيا منذ البداية، أو الصدام مع القوات السورية الموجودة في جنوب الباب، الأمر الذي لا يمكن توقعه بسبب التداعيات التي ستترتب على ذلك، الصدام أو التفاهم مع الأكراد من أجل المشاركة في عملية الرقة، خصوصاً أن المعلومات التي رافقت زيارة السيناتور الأميركي جون ماكين إلى المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، تحدثت عن طلبه فتح ممر بعرض 20 كلم، من تل أبيض باتجاه الرقة، للسماح للفصائل المدعومة من أنقرة من أجل حجز موقع لها في المعادلة.

في المحصلة، مؤشرات عدّة تظهر أن هامش الحركة يضيق أمام تركيا، بالرغم من كل المواقف السياسية والإعلامية التي يعبر عنها المسؤولون في أنقرة، خصوصاً أن مشروع المناطق الآمنة الأميركي لا يشمل على ما يبدو مشاركتها في تحرير الرقة.