كثرت في الآونة الاخيرة التسريبات والانباء حول صحة الرئيس السوري بشار الاسد، وحول اصابته بأمراض خطيرة، وحول عدم قدرته على الاستمرار في الحكم او حتى وفاته في وقت قريب. من الطبيعي ان تنقسم تفاعلات الناس حول هذه الانباء بين مؤيد لها (كل من يعارض الاسد ونهجه في الحكم)، ومعارض لها (كل من يؤيد الاسد ويرى فيه خلاصاً لسوريا). وبين هذا وذاك، يمكن التطرق الى الموضوع من وجهة نظر منطقية ومقاربة بسيطة بعيدة عن العاطفة والآراء السياسية الشخصية التي يحتفظ بها كل شخص أكان يعيش في سوريا أم خارجها.

منطقياً، لا يزال بشار الاسد حاجة الى سوريا والمنطقة بشكل عام، على الاقل في المدى المنظور او ما يعرف بالمرحلة الانتقالية التي ستمرّ فيها سوريا خلال مفاوضات السلام وكتابة مستقبلها الجديد. وقد ادرك الغرب هذا الامر قبل الشرق، وحتى المطالبون بوجوب رحيل الاسد عن الحكم، بدأوا يخففون من حدة هجومهم شيئاً فشيئاً لانهم ادركوا ان في الامر اكثر من مصلحتهم، فمصير سوريا والمنطقة على المحك.

ليس هناك من أحد غير قابل للاستغاء عنه، هو شعار حمله معارضو الاسد وهم محقّون فيه، فكل انسان يمكن التكيّف مع فكرة غيابه، ولكن مؤيدو الاسد يحملون شعاراً آخر مفاده انه يمكن العيش من دونه ولكن من الافضل جداً العيش معه. هذه الفكرة الاخيرة قائمة على تجارب في سوريا وخارجها، حيث اثبتت الاحداث التاريخية ان غياب اي شخص كان يمسك بزمام الحكم عبر ثورة او حرب، يدخل البلد المعني في دهاليز لا يعرف أحد متى ستنتهي ولو عرف كيفية نهايتها. يعتبر الكثيرون ان الوضع في سوريا والحرب التي عاشتها وما زالت، كفيلان بالتشديد على ان غياب الأسد او تغييبه لن يؤدي الى كوارث اضافية، فالحرب المستعرة هناك وصلت الى حدود عالية جداً لا يمكن ان تسوء اكثر من ذلك، ولن يعرف بالتالي السوريون اياماً اصعب او اقسى من تلك التي عايشوها في السنوات الماضية.

اما الدول الغربية وفي مقدمها روسيا والصين، فيعتبرون ان بقاء الاسد حالياً من شأنه ان يقوّي الاوضاع ويسهّل المفاوضات السلمية، خصوصاً وان ​الجيش السوري​ يعمل وفق الولاء للاسد، وهو امر لا يمكن الاستخفاف فيه في ظل الهجمة على "داعش" وترتيب الاوضاع في سوريا لبدء المفاوضات التي يعوّل الكثيرون على انها ستضع حداً للحرب الدائرة. ان غياب الاسد سيجعل من الجيش السوري "جيوشاً"، ومن كل ضابط عالي الرتبة مشروع رئيس او زعيم، وبالتالي ستزداد الحرب على الارهاب صعوبة، وسيتأخر المشروع الدولي في تثبيت ركائزه في سوريا، وسيزداد عدد الفصائل السورية المسلحة، فيما لن يكون أحدٌ منهم جاهزاً لتسلّم زمام الامور في عدد من المناطق او في سوريا في مرحلة لاحقة.

هذا الغياب سيؤثر ايضاً على التعاون المفترض مع روسيا وايران والصين وغيرها من الدول فتسقط المركزية عن قرارات الحكومة السورية وتنتشر اللامركزية في اتخاذ القرارات ومحاولة السيطرة على الجيش السوري. كما ان المسالة ستسمح بـ"انتفاضة" شرائح سوريّة لنيل مميزات افتقدتها سابقاً إنْ على الصعيد الديني او السياسي او الدبلوماسي او حتى العسكري. لا يمكن لاحد الجدل حول ان الاسد لم يعد كما كان عليه قبل الحرب في بلاده، من الناحية السياسية او من الناحية المعنوية، ولكن الفراغ الذي سيحدثه غيابه المفاجىء من شأنه ان يجرّ سوريا والمنطقة بشكل عام الى المزيد من التخبّط والضياع وهو ما لا تشجعه او ترغب فيه الدول الكبرى من جهة، والدول الاقليمية من جهة ثانية.

لذلك، من المنصف القول ان بقاء الاسد حالياً، يحمل في طياته ايجابيات اكثر من السلبيّات، والبديل لن يكون سلاماً وامناً كما يعتبر البعض، بل مجرد استيلاد المزيد من المنظمات المسلّحة وتضعضع في صفوف الجيش السوري. وعليه، ستبقى الانباء والتسريبات عن صحة الاسد قائمة، وستبقى الامور محددة بسقف بقاء الاسد في الحكم، وهو ما تقاتل لاجله روسيا بشكل خاص لاسباب عامة وشخصية، خصوصاً وان وصول رئيس جديد قد لا يتم بالسرعة اللازمة، وقد يحمل "نسفاً" للاتفاقات والعقود المبرمة مع الاسد حول العديد من القضايا.