نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا بعنوان "من داخل تدمر بعد الاحتلال الداعشي الثاني، هكذا بدت المدينة!"، مشيرة الى أن "الضحكات ترددت لتكسر صمت ما تبقى من معبد "بيل" بمدينة تدمر القديمة، بعد أن صرخت مجموعةٌ من الجنود الروس في سيارة ملطخة بطين الصحراء السورية. خرج الجنود المرتدون خوذاتهم وملابسهم المموهة من السيارة، وبنادق الكلاشنيكوف معلقة على أكتافهم، وعصي التقاط صور السيلفي في أياديهم".

ولفتت الصحيفة الى أنه "قبل أيام من ذلك المشهد، كانت هذه القوات، وقوات أخرى موالية للحكومة السورية، قد أعادت الاستيلاء على هذه المدينة الرومانية، الموضوعة ضمن قائمة التراث العالمي، والتي تعد رمزاً مهماً للتنوع في سوريا، بعد أن كانت في قبضة "​تنظيم داعش​" للمرة الثانية في عامٍ واحد، أما الحوائط فكان مكتوباً عليها بالغرافيتي: "ممنوع الدخول دون إذن داعش، ولا حتى للإخوة". تجمع الروس حول ركام الحطام ووقفوا لالتقاط صورة النصر تحت القوس، وهو كل ما تبقى من المعبد المركزي، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية".

ونقلت الصحيفة عن مدير الآثار بسوريا ​مأمون عبد الكريم​، الذي قام بالفعل بنقل معظم التماثيل القديمة في متحف المدينة إلى دمشق قوله: "هذه المرة، لا يبدو أنهم قد دمّروا تدمر دماراً كبيراً كما كنا نخشى"، معتبرا أنَّ "تدمير تراثنا يماثل قتل طفل". مؤكدا أن "معظم المدينة القديمة يمكن إعادة بنائه، لكن باستثناء بعض أعمال الترميم العاجلة، سيتوجب الانتظار حتى عودة السلام للبلاد".

ولفت الى أن "غالبية الشعب السوري يقبلونني، ويقبلون الوظيفة التي أحاول القيام بها، سواءً في مناطق الحكومة أو مناطق المعارضة"، مضيفا: "حاولت الاستقالة 4 مرات، لكن في كل مرة كان يحدث شيء ما. لقد تعبت من مئات الرسائل التي تأتيني كل أسبوع على بريدي الإلكتروني، وعلى تطبيق واتساب، التي تستمر في الوصول حتى منتصف الليل كل ليلة. لم أتناول الغداء مع زوجتي منذ 5 سنوات. قلتُ في تشرين الثاني: أرجوكم، الآن 90 من القطع التاريخية في سوريا موجودة في دمشق، منها 320 ألف قطعة مخزنة ومصورة فوتوغرافياً. أرجوكم هل يمكنني الرحيل الآن؟".

ورأت الصحيفة أن الدمار كان ضخماً رغم ذلك. إذ دمر "داعش" خلال الشهرين الماضيين معظم الترابليون، وهي مجموعة من الأعمدة المرفوعة، ودمرت الواجهة المنحوتة من المدرج القديم، حيث أجبر مقاتلو التنظيم السكان على مشاهدة عملية قتل 25 جندياً أثناء الاحتلال الأول للمدينة.وأكدت أن داعش دمّر خلال الفترة الأولى لاحتلاله المدينة السلالم المؤدية إلى القلعة، ما كان يعني أنَّ الطريق الوحيد المتاح للقلعة أصبح خليطاً من السلالم المعتمدة على أعمدة متداعية الأركان، ومجموعة من الأنقاض المتراكمة في إحدى الأطراف. وفي الأسفل دوّى الأذان من واحدٍ من المساجد العديدة الفارغة في المدينة خلال شوارعها المهجورة: ربما حل واحدٌ من الجنود المتدينين محل المؤذن الغائب، لافتة الى أن المسجد الأساسي للمدينة دُمِّرَ، باستثناء المئذنة التي خُدِشَت فقط من أثر المعركة، ولا تزال شامخةً بالهلال المثبت أعلاها. ووسط الركام رمادي اللون، كان يوجد جزءٌ من قبة المسجد الخضراء، ولا تزال مكبرات الصوت متصلة بها.

وشددت على أنه على الرغم من تدنيس المدينة فإنَّ تدمر الرومانية لا تزال فخمة ومميزة. لكنَّ المدينة القريبة منها، والمسماة تلمود، والتي كانت مشحونةً بالحياة، والضجيج، وآلاف السياح، أصبحت مهجورة.