بئر الفساد في لبنان عميقة جداً وتكاد تكون من دون قعر، ونفق الفساد طويل ويكاد يكون من دون بصيص نور، فهل سيُكمِل التحدي لطمر هذه البئر والوصول إلى نهاية النفق؟

أم أنَّ مكافحة الفساد ستكون همروجة مثلها مثل الهمروجات التي سبقتها؟

حتى اليوم النيات جيدة والعزم أكيد، لكن هل من قرار مصحوب بخطة؟

تمَّ التشخيص وصدر القرار في شأنه:

يقول التشخيص إنَّ الفساد ما كان ليُعشِّش في الإدارات لو لم يكن الكبار يحمونه والصغار ينفذونه. يقرُّ في هذا المجال وزير المال ​علي حسن خليل​ أنَّ هناك سارقين محميّين، وأنَّ التوظيف الذي قارب ال 22 ألفاً و221 عنصراً وعشرة آلاف متعاقد يتقاضون رواتب من خزينة الدولة، هو توظيف جاء على خلفية التنفيعات أكثر مما هو على خلفية الحاجة.

وقبل ذلك، وحتى قبل انطلاق العهد، كان الوزير علي حسن خليل قد أعطى الموافقة بملاحقة ثلاثة موظفين في دائرة المساحة وأمانة السجل العقاري في المتن وبعبدا، وذلك استناداً إلى الأفعال المنسوبة إليهم بموجب التحقيقات.

هذا مسار يجب أن يتابع، خصوصاً أنَّ معطيات الفساد تتحدث أيضاً عن أراضٍ مشاع يتم الإستيلاء عليها تباعاً، وهي غير ممسوحة، وتُجرى المعاملات الرسمية لها وتُدفع الرسوم القانونية وتُسجَّل باسم أشخاص.

إنَّ ملفَّ الفساد العقاري يوازي مخالفات الأملاك البحرية، لا يجوز تكبير ملف الأملاك البحرية وإغفال ملف الفساد العقاري، الذي لا يقتصر على المخالفات، بل يجعل مشاعات للدولة وللبلديات كأملاك لأشخاص.

المطلوب في هذه الحال، إما استرداد هذه المشاعات وإما أن يدفع، الذين سيطروا عليها تعويضات اشغال عن الفترة التي مرّت. إنَّ احتساب قيمة هذه التعويضات من شأنه أن يغطّي كلفة السلسلة، فلماذا التفتيش بعيداً؟

إنَّ مغارة الدوائر العقارية فيها من تهريب مداخيل لخزينة الدولة ما يجعل هذا الملف فضيحة متمادية، أليس بالإمكان إيجاد شخص في كل دائرة يتلقى الشكاوى ويعالجها ويكون لديه من المناعة ضد الرشاوى ما يجعله سداً منيعاً في وجه الإغراءات؟

ما كشفه وزير المال علي حسن خليل ليس وحيداً، فهناك كشوفات فضائحية تحدّث عنها النائب سيرج طورسركيسيان، وكلامه يرقى إلى مستوى الإخبار، حيث كشف عن فساد في الجمارك يبلغ ملياراً و 900 مليون دولار، عبارة عن قيمة البضائع غير المصرّح بها، ويكشف عن 150 مليون دولار هي فقط مجرد رشى للموظفين لتسهيل هذه البضائع.

معطى آخر جرى كشفه في الجلسة النيابية العامة، وهذا المعطى يتحدث عن أنَّ هناك نحو 6 مليارات دولار سنوياً يمكن أن تدخل إلى الخزينة في حال انحسر الهدر والفساد والتهرب الضريبي.

ربما هذا ما حدا بأحد الأصوات إلى الدعوة إلى جلسة نيابية عامة مغلقة يكون جدول أعمالها الفساد وتسمية الأمور بأسمائها، فهل يُقدِم مجلس النواب على هذا التحدي؟

ليس عن عبث ما طالب به وزير المال أخيراً، لجهة اقتراح تشكيل هيئة قضائية مستقلة متفرغة، يتمثّل فيها المجلس النيابي وتوضع أمامها كل المعطيات والإتهامات والملفات من أجل كشف مكامن الهدر والسرقة والفساد واتخاذ الإجراءات. ويستطيع كلُّ نائب وكلُّ وزير وكلُّ مواطن أن يضع بتصرف هذه الهيئة المتفرِّغة كلَّ ما لديه من معطيات.

إنها البداية، لكن لا قيمة لأية بداية إذا لم تكن لها تتمة.