ليست صدفة أن تتزامن الجولة التي نظمها حزب الله لوسائل اعلام محلية وأجنبية على الحدود مع اسرائيل، مع نهاية المرحلة الأولى من اتفاق ما يُعرف بـ"البلدات الـ4" (الزبداني ومضايا والفوعة وكفريا) الذي وقعه طرفا ​جبهة النصرة​ وحركة أحرار الشام مع الطرف الايراني، والذي تضمن العديد من البنود السرية تم الكشف عن أحدها أخيرا مع تحرير الصيادين القطريين في العراق. فمع تبلور رؤية الادارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحل في سوريا، تهافتت القوى المعنية في الصراع هناك على توجيه الرسائل المناسبة للثنائي الأميركي-الروسي حفاظا على دورها ومكتسباتها التي دفعت ثمنها باهظا طوال السنوات الـ6 الماضية.

ومن جبهة الجنوب اللبناني، قرر حزب الله وعبر الكاميرات هذه المرة توجيه رسالة واضحة للقوى الدولية، مفادها ان عناصره المولجين التصدي لاسرائيل لم يتركوا مواقعهم للحظة لينشغلوا على الجبهات السورية المتعددة. وقد تقصد الحزب وللمرة الأولى في تاريخه اظهار وجوه مقاتليه، كما وكّل أحد ضباطه الاستفاضة بشرح الوقائع الميدانية لعشرات الاعلاميين، وهو ما تم عن سابق تصور وتصميم، كاسرا بذلك الحلقة التي لطالما أحاط جنوده بها، معلنا الانتقال الى مرحلة جديدة من المواجهة، حيث أوراق الجوكر وحدها سرية اما اللاعبون فعناصر لم يعودوا يترددون الكشف عن وجوههم وأسمائهم!.

وتعتبر مصادر متابعة عن كثب للحركة الحالية للحزب، انّه أراد وباطلالته الأخيرة من الجنوب "اعادة تصويب البوصلة في ظل ما يتردد عن خطط دولية تقضي بخروج كل القوى غير السورية المقاتلة خلال مرحلة لاحقة من سوريا"، مستبقا بذلك "اي محاولة لتظهيره خاسرا في نهاية الحرب عبر القول ان معركته الاساسية على الارض اللبنانية، وان اضطراره للدخول الى الاراضي السورية لم يكن الا خدمة لهذه المعركة".

وان كان حزب الله لا يزال يستبعد تماما اي انسحاب من سوريا في المدى المنظور، لاصراره على ان يتم ذلك كمرحلة نهائية في اي خطة لحل الأزمة، الا أنّه يجد "من الضرورة حاليا وفي ظل المساعي الأميركية المتصاعدة للتضييق عليه وعلى بيئته، اعادة التصويب على نقاط قوته وبالتحديد على قدرته في اي لحظة على تحريك الجبهة مع اسرائيل ان اقتضت الحاجة".

وبخلاف حزب الله، تحاول "جبهة النصرة" ومنذ فترة توجيه رسائل ايجابية للطرف الاميركي عبر الوسيط القطري. وقد رشحت معلومات عن لقاءات عقدها قياديون في الجبهة مع مسؤولين أميركيين، بهدف اقناعهم بأن "هيئة تحرير الشام" التي تضمهم الى فصائل اخرى هي المجموعة العسكرية الأقوى في الداخل السوري وبأن أيّ حل لا يلحظ رأيها لن يكون له أي صدى على ارض الواقع. وتجد الادارة الأميركية نفسها معنية بالتواصل مع قياديين عسكريين سوريين معارضين ليكونوا شركاء فعليين لها بهدف ارساء اسس حل تكون واثقة بقدرتهم على فرضها على باقي المجموعات وحمايتها.

اذا هي مرحلة اثبات الوجود، تثبيت الدور واستعراض القدرات لكل القوى اللاعبة على الساحة السورية. فالكل يدرك انّه وان لم تتجاوب موسكو مع المسوّدة الاميركية التي عرضت عليها أخيرا لحل الازمة السورية، فهي ستتجاوب مع غيرها مهما طال الوقت، بعد ضمان مصالحها المستقبلية في سوريا، والتأكد من تظهيرها طرفا منتصرا في الحرب وقطبا عالميا لا غنى لواشنطن عنه لضمان الاستقرار المنشود.