يتفق اللبنانيون على مختلف انتماءاتهم ومشاربهم، على عدم التفريط بأي شبر من الاراضي اللبنانية، وعلى ان استعادة كل المساحات المحتلة هو هدف دائم مهما طال الوقت، وعلى ان اطماع ​اسرائيل​ بالمياه والمساحات اللبنانية قائمة ولن تتراجع عنها. لكن الخلاف، هو على طريقة استعادة هذه الاراضي والسبل الكفيلة بعودتها الى الحضن اللبناني. منذ ايام، نظّم حزب الله جولة اعلامية على الحدود وارسل بالتالي اكثر من رسالة الى المعنيين في الخارج بأن اللعب على الوتر الجنوبي لن يكون سهلاً، ولن تنتهي الامور كما حصل سابقاً لان المعطيات والقدرات تغيرت بشكل كبير.

في المقابل، اثارت الجولة انتقادات محلية تعلقت بغياب الدولة، ما اضطر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الى القيام بجولة خاصة لـ"اعادة التوازن" اذا صح التعبير. الا ان اللافت في الجولة الاعلامية كان مرافقة عناصر من استخبارات الجيش للاعلاميين، وهذا من شأنه التدليل على أمرين: الاول ان الجيش لا يزال يتولى حماية المواطنين اللبنانيين على الحدود، والثاني ان التنسيق قائم مع حزب الله و​اليونيفيل​ ضمن المعايير المعروفة من قبل الجميع.

من الغريب فعلاً ان يبدو الامر وكأن النزاع الدائر بين اللبنانيين ينحصر في ضم الجنوب وبالتحديد مناطقه الحدودية، فمن المعروف ان التواجد العسكري لحزب الله هناك دائم وهو امر واقعي لا يحتاج الى نقاش، وان تواجد الجيش ايضاً قائم انما بقدرات اقل نظرا ًالى قلة تجهيزاته اللوجستية، فيما تلعب "اليونيفيل" دورها الروتيني كمراقب عالمي لما يحصل. فلماذا دخول حلبة الصراع على الجنوب فيما الامور واضحة منذ زمن بعيد وليس بالأمس، فحتى ما قبل العام 2006 والقرار 1701، كان الوضع على هذا الحال ما خلا انتشار الجيش على الحدود، اما وقد حصل هذا الانتشار فالجميع يعلم انه شكليّ لأن إمكانات ​الجيش اللبناني​ في صد أيّ هجوم اسرائيلي ضعيفة، ولو ان روحية ضباطه وجنوده اصلب من الصخر واستعدادهم في بذل حياتهم في سبيل الوطن أمرٌ لا يرقى الى الشك.

ولعل السؤال الابرز يكمن في تحديد الفائدة من اطلاق مثل هذا النزاع، ومن سيكون الرابح؟. الوقائع تفيد بشكل كامل ان غياب حزب الله عن الجنوب امر غير وارد، وان خروج الجيش من الجنوب ايضاً لن يكون مقبولاً من قبل الاطراف في الداخل والخارج على حدّ سواء، وان تجهيز الجيش بالعتاد والاسلحة المناسبة هو امر بعيد المنال... اما اهتمام الدولة بالمناطق الجنوبية فيبقى معلقاً نظرا ًالى الوضع المعروف، وهي غير قادرة على توفير الرعاية والانماء لمناطق الداخل فكمّ بالحريّ في المناطق المتواجدة على اطراف الوطن؟. ومع تصاعد الكلام عن امكان نشوب حرب جديدة، تشير المعطيات الى ان المسألة لن تشهد انقساماً لبنانياً اكبر مما شهدته في العام 2006، اي ان شريحة من اللبنانيين ستعارض مواجهة حزب الله لاسرائيل، فيما سيعمد الجيش الى الوقوف الى جانب الحزب في مقاومة اسرائيل، وسيكون الداخل اللبناني موحداً بنسبة عالية للوقوف في وجه الاسرائيليين، ناهيك عن مشكلة داخل اسرائيل تتمثل في القلق من تغلغل عناصر الحزب الى خلف الحدود اللبنانية، ما يشكل معضلة حقيقية تنقل المعارك الى مستوى آخر والى واقع آخر يجب التعامل معه.

هذا في حال اندلاع الحرب، اما في حال بقاء الستاتيكو على ما هو عليه، فمن المرجّح ان تندلع حرب من نوع آخر، لا يكون فيها الكلام للاسلحة، بل للضغوط السياسيّة والدبلوماسي والاقتصادية، وهذا النوع قد يكون اكثر إيذاء للبنان لان حظوظ نجاحه في تقسيم اللبنانيين اكبر بكثير من حظوظ الحرب العسكريّة.

لن يفيد التنازع اللبناني على الجنوب، والاجدر ان يكون التسابق للمحافظة عليه وتنميته قبل ان نخسره جميعاً، وهناك يكون البكاء وصريف الاسنان...