خلال ساعات قليلة وفي ظل حرارة شمس منخفضة، أخمد ​الدفاع المدني​ أكثر من 34 حريقا في مختلف المناطق اللبنانية، ومع اقتراب فصل الصيف تتوقع مصادر الدفاع المدني أن تشتعل ​الحرائق​ في الغابات والوديان، نتيجة الاهمال البشري حينا، والعوامل الطبيعية أحيانا أخرى. ازاء هذه المسؤولية، انطلقت مجموعة من اساتذة الجامعة ضمت ​نزار حمادة​، علي قرعوني، بسام دية وبيير شويه من جامعة انجيه في فرنسا في رحلة تطوير منظومة مبتكرة وجديدة لحل مشكلة حرائق الغابات في لبنان ومنطقة البحر الابيض المتوسط.

بعد ما يقارب الأربع سنوات من العمل المضني نجح الفريق بالوصول الى الهدف المنشود، يقول الدكتور في ​الجامعة اللبنانية​ نزار حمادة، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن خسارة مئات الاف الهكتارات من الاراضي بسبب الحرائق كان الدافع الاساسي لهذه الخطوة، لافتا النظر الى أن العوامل المناخية هي المسبب الرئيسي للحرائق. ويضيف: "إن التشابه في الطقس بين لبنان وفرنسا جعلنا نعمل سوية على إنجاح هذه المنظومة".

بعد دراسة أرقام "داتا" الطقس خلال السنوات الست الماضية وتجربة المنظومة وتبيان فعاليتها بتنبؤ الحرائق قبل وقوعها، وتوقع انتشارها بعد حدوثها، جعل هذه الانجاز ينتشر عالميا كونه الاول من نوعه في منطقة الشرق الاوسط. وفي هذا السياق يشرح حمادة أن: "البحث ينقسم إلى قسمين رئيسيين: منهجيات جديدة في تنبؤ الحرائق ونموذج مبتكر لسلوك الحريق اثناء الانتشار".

التنبؤ بالحريق

في الجزء الأول، يكشف حمادة عن "تطبيق خمس تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في استخراج البيانات ابرزها الشبكات العصبيّة، شجرة القرار وغيرها، وقد تبين أن الاخيرة هي أكثر التقنيات دقّة في التنبؤ بحرائق الغابات بعد تسجيل أفضل قياس دقة 96.6 بالمئة. ومن ثم تم استخدام تقنيات احصائية لتحليل البيانات المختلفة، وتقييم العلاقة بين حدوث الحريق وبيانات الأرصاد الجوية". ويقول: "تبيّن بعد الدراسات أن درجة الحرارة ودرجة حرارة التربة ونقطة الندى، من بين ستة مؤشرات للأرصاد الجوية سجلت أعلى نسب الارتباط مع حدوث الحرائق، وهذا يقودنا إلى وضع مؤشر لبناني جديد لتبيان خطر وقوع الحريق استنادا إلى المعايير المناخية الأكثر تأثيرا"، لافتًا الى ان المؤشر المقترح سجّل دقة جيدة جداً وصلت الى 73.26 بالمئة في التنبؤ بالحريق بعد التحقق من صحّته خلال عامي 2015-2016 في شمال لبنان.

محاكاة انتشار النار

في الجزء الثاني استخدمت تقنية المحاكاة الآلية للتنبؤ بديناميكية انتشار النار، في كل من المساحات المتجانسة وغير المتجانسة، يقول حمادة. ويضيف: "تتضمن المنهجية المقترحة مؤشرات اتجاه الرياح والوقود أي الغطاء النباتي، والتضاريس"، مشيرا الى ان محاكاة النموذج المقترحة اظهرت دقة عالية وصلت لـ92.6 بالمئة في التنبؤ بانتشار الحريق من حيث المساحة والشكل، بعد مقارنة نتائج المحاكاة بالتقارير الفعلية لحادثة الحرائق التي اجتاحت غابة عندقت في منطقة عكار.

بعد هذا البحث أصبح بالإمكان التنبؤ بوقوع الحريق قبل 48 ساعة، كذلك يمكن معرفة مكان انتشار النار بحال حصل الحريق، ولكن الاستفادة من هذه المنظومة تكون عبر استثمار أجهزة الدولة لها، والبداية تكون بتحرك رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب نحو الوزارات والادارات المختصة.