حافظت ​مدينة النبطية​ على تقليد موروث عن الاباء والاجداد منذ ما يقارب 100 عام، يرافق ​شهر رمضان​ ويلازمه من اليوم الأول حتى الأخير، وهو المدفع الذي يوضع على "بيدر" النبطية كل سنة لاطلاق طلقة واحدة عند موعد الافطار وطلقة أخرى عند الامساك فجراً ايذانا بالتوقف عن الطعام والشراب، و6 طلقات مع قدوم العيد تأكيداً على البهجة والفرح، في حين يشرف على المدفع ويديره عضو لجنة الوقف الديني في النادي الحسيني في النبطية الحاج خضر كمال بمعاونة نجله محمد ومواكبة من مفتي وامام مدينة النبطية الشيخ ​عبد الحسين صادق​.

في هذا السياق، يشير المسؤول الاعلامي في النادي الحسيني في النبطية المؤرخ مهدي صادق، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن مدفع رمضان في النبطية بدأ منذ اربعينيات القرن الماضي، قبل وجود مكبرات الصوت على الماذن، وقد وضع على بيدر النبطية لاعلام الناس بموعدي الافطار والامساك، كون صوت المدفع يغطي مساحة أوسع من صوت المؤذن الذي كان يطلق الاذان من جامع حي السراي القديم، ويضيف: "في ستينيات القرن الماضي تولى الجيش اللبناني، من ثكنة الشهيد النقيب عصام شمعون، بالاتفاق مع الاهالي اطلاق مدفعية صوتية عند الغروب وعند الامساك، واستمر هذا الأمر حتى بداية الحرب اللبنانية، أما خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي فتوقف هذا التقليد، لكن بعد زوال هذا الإحتلال أعيد من خلال النادي الحسيني وباشراف الشيخ عبد الحسين صادق".

في الوقت الراهن، يتولى الحاج خضر كمال وابنه إستخدام المدفع، حيث تطلق طلقة واحدة عند الغروب فقط دون الإمساك، أما في العيد فتطلق ما بين 5 أو 6 طلقات، وكان الحاج كمال هو أول من أطلق المدفع في النبطية منذ القدم وما زال مواظباً على ذلك.

ويوضح كمال، في حديث لـ"النشرة"، أنه "أثناء الإحتلال الإسرائيلي تم إيقاف هذه العادة لفترة، لكن بعد العام 1985عدنا لنجدد هذا التقليد بإشراف الشيخ صادق"، ويلفت إلى أننا "نعتبر أن هذه الممارسة هي جزء من تراث مدينة النبطية وهي مرتبطة بهذه المناسبة العظيمة"، ويتابع: "حين يأتي الافطار ينتظر الناس صوت المدفع مثلما ينتظرون كلمة الله أكبر، فهناك من لا يستطيعون سماع صوت الآذان لكن صوت المدفع يصل إليهم، وهو بات رمزاً للفرحة بالرغم من أنه يعتبر رمزاً للحرب والدمار والقتل".

ويشير كمال إلى أنه يبدأ بتجهيز المدفع قبل دقائق من غروب الشمس ويعاونه نجله محمد، ويلفت إلى أن طريقة العمل تستغرق نحو نصف ساعة كاملة للتجهيز، ويكشف عن تعرضه للإصابة عدة مرات أثناء هذه العملية، إلا أنه يحرص رغم ذلك على إبقاء هذا التراث حياً.

بدوره، يشير محمد، الذي يتولى مساعدة والده في تجهيز المدفع وإطلاقه في بعض أيام رمضان، إلى أننا "تعودنا منذ الصغر على أن نأتي إلى هنا حتى نسمع صوت المدفع"، في حين ترجّح أغلب المصادر أن تكون القاهرة أول مدينة إسلامية استخدمت المدفع عند الغروب إيذاناً بالافطار في شهر رمضان.