أولى نتائج قمة الرياض انقسام الخليج العربي. نجحَ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في مهمّته. عَقد الرجل صفقات مالية بمليارات الدولارات؛ حصَل على بيان ختامي للقمة يؤكّد أن ​ايران​ دولة إرهاب؛ أمّن 34 ألف جندي كقوّة عربية برّية؛ حقَّق تقارباً سعودياً ​اسرائيل​ياً وخلّفَ وراءه خلافات خليجية. باكورة تلك الخلافات العلنية التوتّر السعودي-القطري.

لم يعد خفياً أنّ البيان الختامي كان مفاجئاً لبعض الدول المشاركة بشكله ومضمونه. دولة قطر ليست الوحيدة التي أعلنت رفضها لما وَرَد فيه. لبنان تبرّأ منه. الجزائر لم ترحّب به. سلطنة عُمان الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في الحرب على اليمن تربطها علاقة ودّية مع ايران، وكان سلطان عمان قابوس بن سعيد قد زار طهران في العام 2013 كما زار الرئيس الإيراني حسن روحاني السلطنة خلال العام الجاري وقبله في العام 2014. بيان قمّة الرياض حتماً لا يعني السلطنة.

الكويت​، تربطها مع ايران علاقة ازدهار تصاعدية، ففي العام 2014 فاجأ أمير الكويت الشيخ صباح أحمد الصباح أعضاء مجلس التعاون الخليجي عندما صرّح من طهران أنّ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي "مرشد لكل المنطقة". نسجت ايران علاقات سياسية واقتصادية وإنمائية مع العديد من الدول العربية بما فيها المملكة الأردنية الهاشمية، حيث تموّل بعض المشاريع وترعى وتشارك في تمويل أبرز مشروع علمي في الشرق الأوسط يدعى "سيزامي"؛ وهو مركز أبحاث متطوّر اسمه كاملاً "المركز الدولي للضوء السنكروتوني للعلوم والتطبيقات التجريبية في الشرق الأوسط". سيساعد المركز بالإكتشافات البيولوجية والطبية.

في تشرين الثاني من العام المنصرم، دشّن الرئيس الإيراني ثلاثة مشاريع نفطية مشتركة مع ​العراق​ في محافظة خوزستان. إنّه جزءٌ من فيض، حيث لإيران الدور الفاعل في العراق لا سيّما على المستويات الإقتصادية والسياسية والأمنية. الإستثمارات الإيرانية في العراق تقارب 12 مليار دولار، رغم الحصار المالي على طهران، يوجد 4 مصارف مشتركة بين البلدين، المشاريع العمرانية ترسم بناء أكثر من 4 ملايين وحدة سكنية. لإيران العديد من العقود الاستثمارية مع كردستان. أما على الصعيد الأمني، دعم ايران للعراقيين في محاربتهم الإرهاب مطلق، وبدا ذلك في دعم الحشد الشعبي العراقي في حربه ضد تنظيم داعش. نجح الحشد في حماية بغداد وتحرير مناطق عدّة.

رفضَ العراق عاصفة الحزم التي شنّتها السعودية على الحوثيين في اليمن. وتحفّظ على قرار جامعة الدول العربية الصادر في العام 2016 والذي اعتبر "حزب الله" إرهابياً.

زار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ايران في كانون الثاني من العام الجاري لبحث المخاطر المُحتملة لـ"ما بعد داعش"، بإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بالتعاون الأميركي السعودي لمنع سيطرة أذرع ايران على المناطق المحررة.

أمّا ما بين الإمارات العربية المتحدة وإيران، فمسألة الخلاف على الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى وأبو موسى) قائمة. تعتبرها ايران من أراضيها وتصرّ الإمارات على ملكيتها. سيطرت طهران على الجزر المذكورة في العام 1971. لم ينتقل هذا الخلاف الى العلاقات الإقتصادية الغنيّة المتبادلة بين البلدين. فالإمارات استمرت بالتعامل التجاري مع طهران حتى قبل الإتفاق النووي.

إنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين فاق 25 مليار دولار حتى العام 2015، ووصلت نسبته اليوم إلى 80% من حجم التبادل بين دول الخليج العربي وايران.

بالنسبة لقطر، كنا قد أشرنا في مقالة سابقة أن بينهما ودّ وصراع؛ يميل الودّ إلى الفوز. ترسم الطبيعة خطوط التماس الودّية بين قطر وايران في قضية حقل غاز الشمال. إنّه أكبر حقل غاز طبيعي في العالم؛ يتقاسمه البلدان.

97.50 ترليون متر مكعب من الغاز و50 مليار متر مكعب من المكثّفات السائلة يتوزعون في نحو 9700 كيلومتر مربع في حقل غاز الشمال. 6000 كيلومتر مربع تقع في مياه قطر الإقليمية. 3700 كيلومتر مربع تقع في مياه ايران الإقليمية.

في العام 1989 بدأ الإنتاج في حقل غاز الشمال ويمثل اليوم 20% من احتياطي الغاز العالمي.

يشترك البلدان في تطوير هذا الحقل. وانعكس ذلك تفاهماً بينهما وجليداً على الأزمة الخليجية-الإيرانية. لم ينتهِ دور قطر في المنطقة. مسألة القواعد العسكرية الأميركية فيها يستفيد منها الفريقان. فالتهديد بنقلها لن يدفع الدوحة الى دفع ما دفعته السعودية إرضاء للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

يبدو أن المخطط الإسرائيلي الآيل إلى تقسيم مجلس التعاون الخليجي يسير في طريقه. إنّ استمرار السعودية في سياستها العدائية المطلقة تجاه ايران لا يلقَ ترحيباً وإجماعاً عربياً أوّلاً ولا خليجياً ثانياً.

تشير بعض المعطيات الى بدء انسحابات بعض الدول من مجلس التعاون الخليجي، على غرار ما حصل في الاتحاد الاوروبي مع بريطانيا.

ليست محاربة العرب مشروعاً سياسيا او اقتصاديا او أمنياً أو ثقافياً ايرانياً. فإن كانت المصالح الإقتصادية تقود السياسات الدولية، فمصلحة ايران الإقتصادية تكمن في تماسك سيادة الدول العربية.

إن الرياض بعدائها لإيران عزّزت من مكانة طهران في الشرق الأوسط بدءا من العراق إلى سوريا فالخليج العربي. وأميركا في حصارها وعدائها للجمهورية الإسلامية الإيرانية مكّنت ايران من تحصين ذاتها وتطوير بنيتها وتفعيل قدراتها.

يبدو أنّ الإدارة الأميركية ومعها إسرائيل لا يقرّان بتبدّل ميزان القوى الدولي. يسعيان إلى خلق الناتو العربي الإسرائيلي لخلق قوّة جديدة. ناتو جديد إن نشأ، سيقضي على من فيه أوّلاً.