لا يبدو أن الصراع على المصالح والنفوذ في الساحة السورية بين القوتين العظميين، روسيا والولايات المتحدة، سيبقى ضمن حدود ما يمكن وصفه بـ"الأعمال الشرعية"، بعد أن تحولت الحرب على الإرهاب، لا سيما تنظيم "داعش"، إلى العنوان الأبرز لتحرك كافة اللاعبين الإقليميين والدوليين.

في الفترة الأخيرة، برز الحديث عن السعي الأميركي إلى إقامة مناطق آمنة في الأماكن التي يتم تحريرها من عناصر "داعش"، وفقاً لخطة الرئيس دونالد ترامب، بالتزامن كان الصراع على السيطرة على الحدود السورية العراقية يطفو على الواجهة، لكن مدينة الرقة كانت العنوان الأبرز لعمليات "​قوات سوريا الديمقراطية​"، بدعم من التحالف الدولي، بالنظر إلى أن تحريرها يشكل قيمة معنوية وإعلامية كبيرة جداً.

على هذا الصعيد، كانت المعلومات تتحدث منذ أشهر عن نقل "داعش" لقيادته من الرقة إلى دير الزور، بالتزامن مع سعيه إلى العودة للإختباء في الأراضي الصحراوية بين سوريا والعراق، في ظل تقلص الخيارات العسكرية التي لديه في حال قرر الدفاع عن الرقة التي تعتبر أحد أبرز معاقله على الساحة السورية، لكن على ما يبدو كان المخرج من خلال إتفاق جرى الحديث عنه بين التنظيم الإرهابي و"قوات سوريا الديمقراطية"، يقضي بانسحاب عناصره من الرقة باتجاه البادية ودير الزور.

في هذا السياق، لا تزال مصادر "قوات سوريا الديمقراطية" تنفي بشكل قاطع وجود مثل هذا الإتفاق بأي شكل من الأشكال، وتؤكد، عبر "النشرة"، أن الإنسحابات التي يقوم بها التنظيم تعود إلى إداركه بأنه لن يستطيع الصمود بوجه قواته التي قررت تحرير المدينة من عناصره، وهي سبق لها أن أعلنت الإستعداد لحماية حياة من يسلم نفسه وسلاحه من المنتمين إلى المجموعات المسلحة، بمن فيهم "داعش"، مهما كانت صفتهم ومهمتهم تمهيداً لتسوية أوضاعهم وحماية لعائلاتهم وذويهم وأهلهم، لكن الرد الروسي عبر إستهداف قوافل "داعش"، التي كانت قد انسحبت في الأيام الماضية من الرقة باتجاه دير الزور ومنها إلى ريف حمص الشرقي الذي يضم مدينة تدمر الأثرية، لا يؤكد فقط وجود هذا الإتفاق بل أيضاً البدء في تطبيقه على أرض الواقع.

في هذا السياق، تؤكد مصادر سورية مطلعة، عبر "النشرة"، أن هذا الإتفاق هو من عمل الولايات المتحدة، التي لا تزال تراهن على التنظيم الإرهابي لتحقيق أهدافها، وتشير إلى أن معرفة ماذا يعني إنسحاب عناصر "داعش" من الرقة إلى دير الزور والبادية كافية لمعرفة ما الذي تخطط له واشنطن على هذا الصعيد.

وتوضح هذه المصادر أن هذا الإنسحاب يعني أن القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة ستنجح في تحقيق أحد أبرز أهم أهدافها على الساحة السورية، أي السيطرة على مدينة الرقة، الأمر الذي تحتاجه الإدارة الأميركية للقول أن إستراتيجيتها على مستوى محاربة الإرهاب ناجحة، بالتزامن سيذهب عناصر "داعش" إلى تحقيق هدف أميركي آخر، وهو عرقلة التقدم الذي يحرزه ​الجيش السوري​ في البادية، نظراً إلى أن واشنطن تريد أن تكون هذه المنطقة مسرحاً لعملياتها في المستقبل، بغرض تحقيق رغبتها بالسيطرة على المناطق المتاخمة للحدود السورية العراقية.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الإتفاق سيسمح للقوات المدعومة أميركياً بالتحضير لمعركة دير الزور، بعد السيطرة على الرقة، نظراً إلى أن عناصر "داعش" سيتولون مهمة منع الجيش السوري من التقدم نحو المدينة المحاصرة، في وقت يسعى فيه الأخير للسيطرة على مدينة السخنة-الطريق الدولي الذي يربط بين تدمر ودير الزور.

في المحصلة، ترى تلك المصادر في الرد الروسي الحازم على هذا الإتفاق كمؤشر بالغ الأهمية، وتشير إلى أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على التدخل للدفاع عن عناصر "داعش"، كما تفعل لمنع الجيش السوري من التقدم نحو معبر التنف، وتلفت إلى أن الأيام المقبلة ستكشف عن التوجه الذي سيذهب إليه عناصر التنظيم الإرهابي.