وقّع رئيس الجمهورية القانون الجديد للانتخابات النيابية ليطوي لبنان مرحلة صعبة من التجاذبات والمفاوضات، ولتُفتَح مرحلة أُخرى لا تقل صعوبة وحدّة عن سابقتها.

مبدئياً، أطفأت معظم الماكينات الانتخابية محرّكاتها لتنصرف الى درس الجوانب الغامضة للقانون الجديد وطريقة نسج التحالفات المفيدة القادرة على إيصال الفوز بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية.

أوّل المسارعين الى إعادة ترتيب تموضعه ليتلازم مع التطورات الانتخابية الجديدة كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» ​سمير جعجع​ الذي بادر الى «مصالحة» بعض الأسماء المناطقية من خلال دعوتهم الى معراب بعد مرحلة طويلة من البرودة وتمنّعه عن لقائهم، مثل سليم وردة وزياد حواط.

فوفق قانون الستين كان من الممكن ترشيح أسماء مغمورة على قاعدة الولاء والالتزام أوّلاً. أما الانتخابات وفق النسبية فتتطلّب شروطها وجود مرشحين يحظون بحدّ أدنى من القبول في دوائرهم، إضافة الى حيثية ذاتية لكي يستطيع المرشح أن يحظى بفرص أكبر للنجاح من خلال الصوت التفضيلي.

فمنطق «البوسطة» يتعارض الى حدّ بعيد مع الاقتراع وفق النسبية والصوت التفضيلي. في وقت تسعى مختلف القوى، ولا سيما منها المسيحية، الى توسيع حضورها النيابي تمهيداً للمعركة الأهم وهي معركة رئاسة الجمهورية عندما يحين موعدُها. لكنّ هذه الخطوة ليست الوحيدة التي بادر اليها جعجع.

ففي الكلمة التي ألقاها في إفطار سن الفيل استعاد جعجع حقبة انقسامات «8 و14 آذار». ووفق هذا التقسيم كانت «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» على طرفَي نقيض. وجاءت مصالحة معراب لتطوي هذه الصفحة. أما استعادتها اليوم فتعني في وضوح أنّ التحضيرات للمعركة الانتخابية ستقوم وفق هذا المنطق ووفق لوائح متنازعة وهي باكورة نتائج القانون الجديد للانتخابات.

فوفق قانون الستين كانت «القوات» ملزمة بالخضوع لشروط «التيار» لكي تستطيع حجز مقاعد لها في منطقة جبل لبنان. أما اليوم فإنّ النسبية تحمي حضورها وتؤمّن لها بضعة مقاعد ولو من خلال تبنّي ترشيح شخصيات مناطقية بعد الاشتراط عليها الانضواء في كتلتها. ما يعني أنّ من الآن وصاعداً سيعود التباعد تدريجاً بين «القوات» و«التيار»، ولو أنّ هذا التباعد لن يصل الى حدود الاقتتال والعداء، حتى ولو خاض كل فريق الانتخابات بلوائح مستقلّة. وهذا منطق الأمور الطبيعي الذي «يحميه» قانون النسبية والذي يحتّمه النزاع على رئاسة الجمهورية.

والاشتباك الكهربائي يحمل في طياته هذا المفهوم، اضافة الى الشكوى التي بات يبلغها جعجع الى زواره حول إبعاده من المحاصصة في التعيينات الادارية: «عون لا يقدّم لنا شيئاً».

الخطوة السلبية الثانية الأكثر تعبيراً كانت في اعتذار جعجع عن المشارَكة الشخصية في المشاورات في قصر بعبدا منتدِباً الوزير ملحم الرياشي ليمثله فيها.

وفي الساحة السنّية لا تبدو الامور في وضع أفضل. فتيار «المستقبل» الذي اتّخذ قراره بالتحالف مع «التيار الوطني الحر» في كل الدوائر باستثناء قضاء زغرتا، يمرّ في مرحلة صعبة وسط تراجع حاد في شعبيته تبرزها أرقام استطلاعات الرأي.

وقبل إقرار القانون الجديد، وفيما كان الاقتناع السائد بأنّ الانتخابات ستُجرى وفق قانون الستين، طرحت المملكة العربية السعودية من خلال الوزير ثامر السبهان عند زيارته لبنان حصول توافق انتخابي يجمع مختلف القوى السنّية خصوصاً في طرابلس. صحيح أنّ الفكرة كانت في حاجة الى ترجمة ولوقت كافٍ لتحقيقها، لكنّ العنوان كان واضحاً. لكن بعد ولادة القانون الجديد اختلفت الحسابات وهو ما دفع بكلّ فريق سياسي على الساحة السنّية الى المبادرة والتحرّك وفق مصالحه ورؤيته الانتخابية.

أحد أبرز خصوم الرئيس سعد الحريري، اللواء أشرف ريفي والذي يشكو من حصار إعلامي مفروض عليه، باشر في توسيع مروحة اتصالاته، فهو يتواصل مع حزب الكتائب المعارِض بشراسة للعهد والذي يتّكئ على تحالفه مع المجتمع المدني.

ريفي يريد خوضَ الانتخابات بلوائح مستقلّة في طرابلس وعكار والبقاعين الأوسط والغربي وبيروت حتى، محاوِلاً استيعاب المعترضين على سياسة الحريري، وآخر هؤلاء النائب أحمد فتفت الذي ابتعد عن الإعلام منذ فترة وآثر الجلوس في منزله واضعاً مسافة بينه وبين كتلة «المستقبل»، في وقت بقيت قنوات التواصل مفتوحة بين ريفي وجعجع.

أما اللافت فكان عند الفريق الشيعي، حيث صيغ أوّل عناوين التفاهمات الانتخابية بحيث تم توزيع المناطق والدوائر الانتخابية وفق مسؤوليات لا تؤدي الى أيّ تضارب ما بين حركة «امل» و«حزب الله».

أما حول التحالفات مع بقية الأفرقاء، فستكون خاضعة لظروف كل دائرة لوحدها وظروفها الانتخابية، بعدما كان الثنائي الشيعي، وخصوصاً «حزب الله»، في تحالف كامل مع «التيار الوطني الحر» على كل الرقعة الجغرافية اللبنانية، ما يعني وجود احتمال بعدم التحالف الشيعي - العوني في بعض الدوائر.

ومن الآن وحتى موعد حصول الانتخابات، في حال حصلت في موعدها، ثمّة مسار طويل وصعب ومتعرّج وجديد بالنسبة الى كل القوى السياسية.

الوزير جبران باسيل باشر السعي لإنجاز تعديلات على القانون الجديد، وهذا السعي حاصل في الكواليس الانتخابية ويتعلّق ببعض البنود التي طالب بها ولم ينجح في إدراجها مع إقرار القانون.

وفي هذه الاثناء، سيجري العمل على إنجاز مشاريع إنمائية وتوظيفها في تعزيز الموقع الانتخابي لـ»التيار الوطني الحر»، فيما سيخوض الأفرقاء الآخرون، وفي طليعتهم «القوات اللبنانية» معركة «الشفافية» والملفات «النظيفة» تماماً كما هو حاصل اليوم مع ملف الكهرباء.