اينما تجولت في المناطق ال​لبنان​ية قلما تجد منطقة من هذه المناطق الا وفيها العديد من المواقع والاماكن الاثرية القديمة العهد ويعود تاريخ بعضها الى مئات السنين، وتدل عليها الحضارات المختلفة التي تعاقبت.

من المناطق الاثرية المهمة في لبنان تأتي منطقة ​حاصبيا​ التي تشتهر بالاماكن والقلاع الاثرية، الا أن اكبرها وأقدمها هي السراي او القلعة الشهابية التي يعود تاريخها للعهد الصليبي باعتبارها تحوي اثارًا عديدة تميزها عن باقي الاثار اللبنانية.

معروف عن القلعة الشهابية انها تحمل اكبر قنطرة حجرية مزخرفة في الشرق الى جانب العديد من الاقبية والسراديب التي ما زالت شاهدا على قدمها، الا انه على الرغم من اهمية هذا المعلم الاثري التاريخي والحضاري، فانه يواجه خطر الانهيار بفعل العوامل الطبيعية من جهة، وغياب الاهتمام الرسمي له، وان كان مدرجا على الخارطة السياحية كموقع اثري بموجب مرسوم جمهوري صدر منذ العام 1957.

القلعة الشهابية... قصة

"القلعة الشهابية" اسم على مسمى بحيث تعود ملكيتها الى العائلة الشهابية منذ العام 1173، حين انتزعها يومذاك القائد الشهابي الامير منقذ من القائد الصليبي الكونت اورادي بورن في معركة سوق الخان الشهيرة، وعلى بعد خمسة كيلومترات فقط من هذه القلعة، التي، انتقلت ملكيتها بالارث من الاباء للابناء فالاحفاد كملك خاص، بحيث تتوزع ملكيتها على 50 عائلة في حين لم يبق من قاطنيها سوى اربع عائلات فقط كما يؤكد الامير منذر شهاب في حديث لـ"النشرة"، مشيرا الى ان هذه العائلات الشهابية اخذت على عاتقها اعادة ترميم وتأهيل ما لحق باجنحتها من خراب وتصدع في جدرانها وقناطرها، مبديا أسفه على هذا الاهمال اللاحق بهذا المعلم الاثري من قبل الجهات المعنية، وخاصة من قبل مديرية الاثار، على الرغم من مكانتها واهميتها بالنسبة لحاصبيا ومنطقتها، والتي تمثل هويتها وتاريخها الحضاري.

ويضيف الامير منذر: "على الرغم من هذا النسيان من قبل الدولة لهذا المعلم الاثري الهام، فإن الالاف من السوّاح عربًا واجانب يقصدون هذه القلعة سنويا للتعرف على معالمها الاثرية التي لم يشاهدوها في اماكن سياحيّة اخرى، فيلقون كل ترحاب من قبلنا، مع حرصنا على مواكبتهم خلال تجوالهم على اقسام القلعة، مبدين استغرابهم للاهمال المزمن والمجحف بهذا المعلم الاثري الذي يعتبر عمره من عمر الزمان".

أقسام القلعة

​​​​​​​تتألف القلعة من ثلاثة طوابق، اثنان منها بناهما الصليبيون على شاكلة قلعة عسكرية، كانت تشكّل امتدادا او نقطة دعم ومساندة لقلعة الشقيف المعروفة بقلعة ارنون، وتحوي الجدران فتحات كانت تستخدم لاطلاق "القوْس والنشّاب"، وهو السلاح الذي كان شائعا في العهد الصليبي لصد اي هجوم قد تتعرض له، اما الطابق الثالث اي العلوي فهو من بناء الشهابيين يدل عليه كثرة المنافذ والقناطر والتصاميم التي تعود للطراز العربي القديم، الى جانب العديد من القاعات الفسيحة التي تزينها الرسوم، واللوحات الرخاميّة المنقوشة بكتابات عربيّة إحداها يعود الى عهد الامير منصور شهاب ومنها عبارة تقول: "حسبي الله الغفور وكفى عبده منصور".

​​​​​​​تدخل القلعة الشهابية من الناحية الغربيّة عبر بوابة كبيرة على شكل قنطرة يعلوها صورة أسد منقوش على احد حجارتها وهو مقيد بسلسلة، والى جانبه اسد صغير طليق، يتوسطهما فتحة متصلة بالطابق العلوي، كانت تستخدم في سكب الزيت المغلي عند تعرض القلعة لاي هجوم، ويتوسط القلعة باحة واسعة بطول 60 مترا وعرض 40 مترا، كانت ولا تزال تستخدم في جميع المناسبات، ويشرف عليها كل اقسام القلعة وتتصدرها قنطرة بارتفاع حوالي عشرة امتار وهي اكبر قنطرة في قلاع الشرق، وتؤدي الى كنيسة الكونت اورا، وما زالت النقوش والزخرفة تزيّن واجهتها كما تحوي العديد من الاقبية والسراديب بعضها ما زال قائما، فيما البعض الاخر بات اطلالا بفعل العوامل الطبيعية، اما الصعود الى سطح القلعة فهو عبر درج حجري ضيق ومن خلاله يمكنك مشاهدة القسم الاكبر من قرى وبلدات المنطقة، وكذلك التلال والمنحدرات المشرفة على مجرى نهر الحاصباني.

​​​​​​​في نهاية الستينيات وبعد جهد جهيد بذلته العائلات الشهابيّة مع الجهات المعنيّة، حظيت القلعة باهتمام خجول من قبل مديرية الاثار التي قامت ببعض من الترميم الطفيف، الا انها لم تُجْدِ نفعا مع الغياب التام للمديرية، ما سمح للاعشاب والطحالب ان تنبت في تشققات جدرانها وأدّى بالقسم الاكبر من قاطنيها الى هجرانها قسريا، والبحث عن اماكن اكثر امانا واطمئنانا، خوفا من خطر الانهيار، على امل ان يأتي اليوم الذي تخرج فيه الدولة ملفّ هذا المعلم الاثري من غياهب النسيان.