يبقى ملف العلاقات مع سورية جدلياً ومحط تجاذبات ومناوشات كلامية يصر على إفتعالها ​سمير جعجع​ رئيس حزب القوات مع ​فريق 8 آذار​ و​حزب الله​ تحديداً كي يؤكد وفق ما يزعم انه "جرعات" دعم لنظام الرئيس ​بشار الاسد​ وحكومته والجيش الذي يواصل تصديه للتكفيريين على طول ​الاراضي السورية​.

فكما لا يبحث جعجع عن "مشروعية" مسيحية او ضمانة بحكم ان الاعتراف بوجوده مكفول بتأييد جزء من ​الموارنة​ له ولحزب القوات وله في مناطق محددة فلا يمكن لاحد ان يقول ان الرجل في مقارعته حزب الله وايران وسورية وكل محور المقاومة والممانعة انه يريد اكتساب اعتراف من هذا المحور بوجوده فالرجل موجود منذ سنوات الحرب الاهلية الاولى وحجز لنفسه مكاناً بفعل وهج بشير الجميل الذي كان يعتقد ان بتصفية الخصوم جسدياً يمكنه ان يحكم الساحة المسيحية والمارونية وحيداً. ولكن ومع اكتساب المشروعية والوجود بفعل التأييد الماروني له المطلوب من جعجع ان يبقي عصب هذا الجمهور مشدوداً ولا خصم ليشد هذا العصب الا حزب الله وسورية على اعتبار ان الخصم التاريخي للقوات وهو ​ميشال عون​ قد اصبح حليفاً افتراضياً ولو بالشكل فلا يمكن التصويب كل ما دق الكوز بالجرة لذلك غمز جعجع من قناة الرئيس عون خلال مؤتمره الصحافي الانتخابي في زحلة حيث قال ان عون لن يقبل بزيارة الوزراء الرسمية الى سورية بصفتهم الحكومية بل بصفتهم الشخصية وكأنه يقول له ارفض ذلك.

غياب الخصم الفعلي لجعجع بعد تفاهم ​معراب​ ليس من مسببات الهجوم المعرابي المستمر على سورية ونظامها بل هي الحاجة الى البقاء في محور اميركا والسعودية فمنذ ايام قال جعجع ايضاً ان الزيارة الى سورية هي جر لبنان الى المحور الايراني وفي هذا الكلام اقرار من جعجع انه هو والرئيس ​سعد الحريري​ وباقي الدولة اللبنانية جزء من المحور الاميركي. فالاميركيون هم اعلنوا وعبر وسائل "اعلامهم اللبنانية" والتابعة لهم ان هناك ضغوطاً تمارس على عون والحريري و​قيادة الجيش​ لوقف التنسيق مع حزب الله والجيش السوري وان تخاض معركة الجرود ضد داعش في جرد ​رأس بعلبك​ و​جرود القاع​ من ​الجيش اللبناني​ وحده. ولم يكتفوا اولاد العم سام بذلك بل لوحوا بوقف المساعدات العسكرية للجيش كالعتاد الخفيف وبعض الذخائر والصواريخ التي يجب ان تستعمل حصراً ضد الارهاب. وما يعرفه الاميركيون

ويرفضون الاعتراف به هو ان اي جهد عسكري ضد القاعدة والنصرة وداعش مشكور ومبارك من اي جهة اتى وخصوصاً اكان تابعاً لمحور ​مكافحة الارهاب​ الذي تقوده واشنطن وهو نفسه هذا المحور الذي دعم ومول وسلح وسهل انتقال داعش والنصرة عبر الحدود وباعترافات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.

فما يقوله جعجع اليوم عن حزب الله وايران وسورية سبق للاميركيين ان قالوه وما اراد الاميركيون املاءه على الجيش والسلطة السياسية اللبنانية يردده جعجع لكي تبقى المعونات الملكية حاضرة ولتبقى البيوت السياسية مفتوحة فمعروف ان الاموال السياسية شحت في الاعوام الماضية بعد دخول الدول الخليجية الممولة على خط دعم وتسليح القوى التكفيرية في سورية فالمال النفطي ومع انخفاض عائداته لم يعد يكفي لخوض كل الجبهات كما ان لبنان اصبح ساحة خلفية للمشروع الاميركي - السعودي في المنطقة. واليوم ومع تقهقر كل حلفاء واعوان وادوات هذا المشروع ومع انتفاء الحاجة الى وجود النصرة وداعش في جرود لبنان، يريد الاميركيون وحلفاؤهم ان "يقطفوا" معركة ​جرود رأس بعلبك​ والقاع بعد ان اعتبروا ان محور روسيا وايران وحزب الله قطف ثمار الانتصار المدوي العسكري والامني والسياسي مع النصرة وانجزوا في ايام ما لم ينجز في سنوات. لذلك يبدو الطبق السوري شهياً لان يغرف كل نهم منه وكل باحث عن دور سياسي او امني او عسكري ومع اقتراب الحديث عن تسويات او حلول جزئية او كلية. في المقابل لم يبدل فريق وازن من اللبنانيين وجهة العلاقة مع سورية الاسد وبعد 6 اعوام من الازمة تبقى سورية البلد الشقيق والعضد للبنان وتربط البلدين اليوم واكثر من اي وقت مضى ضرورات كبيرة ومنها حل ملف النزوح وكذلك التخلص من نفايات داعش وعناصره في الجرود فإذا لم ينسق مع الجانب السوري فكيف يخرجون والى اين يتجهون غير الاراضي السورية؟

وثانياً في ملف النزوح والمطالبة بعودة النازحين الى اين ستتم؟ اليس الى بلداتهم ومناطقهم في سورية والا يتطلب الامر التنسيق مع ​الدولة السورية​؟

وفي الملف الاقتصادي والتجاري العلاقة بين البلدين هامة وتقتضي زيارة الوزراء باسم ​الحكومة اللبنانية​ لانجاز التفاهمات اللازمة لبقاء هذه العلاقة سلسة وماشية ومن دون مزايدات او عوائق وهمية في نفوس مخترعيها.

وثمة سؤال اخير يمكن التطرق اليه: لماذا يفتح النار جعجع وحيداً في الملف السوري بينما يصمت الحريري؟