يبدو ان معسكر العدوان على سورية وبعد ان يئس من تحقيق أي انجاز ميداني استراتيجي في فيها، يناور الان ويشهر ورقة النازحين واللاجئين السورين ليحقق عبرهم بعض ما توخى من اهداف عدوانية في سورية خاصة وفي كامل المنطقة المشرقية عامة.

ويأتي في هذا السياق الطرح الأميركي الذي تضمنه خطاب ترامب في ​الأمم المتحدة​ والذي دعا فيه الى توطين السوريين اللاجئين الى دول الجوار السوري في اماكن لجوئهم وهو موقف رفضته الدول المعنية علانية وصراحة كما فعلت سورية ولبنان او مراوغة ومداورة كما فعل الأردن وتركيا الذين يراعون في مواقفهم السياسة الأميركية ويتجنبون الصدام معها او اثارة غضب تلك الإدارة مهما قامت به من تصرفات.

لقد كان الموقف المنطقي المنتظر من دول العالم التي تراقب مجريات الميدان السوري وتطوراته المتسارعة لصالح الحكومة السورية، كان يفرض بان يتم البحث عن الية مناسبة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهما بعد ن انتفى سبب النزوح فهذه العودة ممكنة من غير عائق جوهري الان، كما منتظرا تقديم المساعدة في إعادة ايواء النازحين في الداخل الى ديارهم بعد ان استعادت الحكومة السيطرة عليها وفرضت امنها الشرعي فيها وبوسائلها الذاتية.

نقول ان الموقف المنطقي كان يجب ان يكون هكذا لان الحرب على سورية باتت كما يشهد الخبراء الموضوعيون العالمون بالشأن العسكري ان الحرب باتت في أشهرها الأخيرة وبان من الواجب البدء بالتفكير باليات إزالة اثارها وموضوع اللاجئين او النازحين هم جزء من إثار الحرب تلك. ومعالجته الصحيحة تفرض عودتهم الى وطنهم، وهذه العودة تفرض وجود الية تنفيذية يكون طرفاها سورية ودولة اللجوء وينضم إليهم طرف ثالث مساعد ان اقتضى الامر وفي هذا المجال تكون الأمم المتحدة هي الطرف المؤهل موضوعيا لهذا الدور.

ولكن ما سمعه العالم من الرئيس الأميركي ترامب ويتردد على السنة بعض الجهات هنا وهناك من دول الجوار او ابعد منها والتي يرفض بعضها التنسيق مع سورية في مسالة النازحين والتي منها من يربط حل موضوع النازحين بالحل النهائي الشامل للازمة السورية، او الموقف الصادم الذي اعلنه ترامب المتمثل بتوطين النازحين خارج بلادهم الى ما هنالك من مواقف تغاير المنطق السليم، ان ما يسمع او يرى من مواقف معرقلة لعودة النازحين او حتى قطع الطريق كليا عليهم يحمل على طرح السؤال عن خلفية هذه المواقف وهل انها صدفة ام انها تندرج في إطار خطة موضوعة استكمالا للحرب على سورية ؟.

من يراجع الأهداف الرئيسية للحرب على سورية و يدقق في الأهداف البديلة بدءا من وضع اليد عليها و نقلها الى معسكر التبعية و التهميش يجد ان توطين السوريين خارج بلدهم وخارج ديارهم الاصلية يحقق للمعتدي صاحب المشروع الصهيو- أميركي اهداف استراتيجية هامة تعوض له خسارته للحرب الأساسية ، و لذلك وجدناه اليوم و بعد ان استنفد خططه و استراتيجياته البديلة في العدوان و فرغت يده عن أي عمل عسكريي تغييري أساسي فيها يطرح ورقة اللاجئين و النازحين السورين ممنيا النفس بتحقيق مصالح بديلة تخدم المشروع الصهيو أميركي كالتالي:

1) انتاج مشهد يشير الى ان الحرب في سورية انتجت واقعا جديدا فيها مختلفا عما سبقه وان سورية بعد الحرب ليست كما قبلها وبالتالي فان العدوان لم يهزم بل حقق شيئا من أهدافه كما يشتهون.

2) تفكيك المجتمع السوري وفرزه واحداث مناطق اللون الواحد التي تشجع على التطرف والكراهية وتمنع توثيق عرى الوحدة الوطنية التي طالما كانت سورية تفاخر بها / ثم تقود الى التقسيم مستقبلا وهو الخطة القديمة الجديدة التي لازالت تتعثر.

3) حرمان سورية من عامل رئيسي من عوامل قوتها الاستراتيجية وهو الشعب الذي يعتبر وفقا لقواعد بناء القوة الشاملة للدولة أحد اهم العوامل في قوتها وان ​التوطين​ ان حصل سيؤدي الى. خفض عدد السكان من 23 مليون الى 18 مليون. فتخسر سورية خمس عديدها؟

4) التلاعب بديمغرافية المنطقة خاصة دول الجوار عبر إعادة تكوين اكثريات وأقليات ذات ألوان معينة تتحكم القوى الاستعمارية بقرارها بعد تشكيلها وتركيزها وفقا لمصالحها.

5) التلاعب باستقرار المنطقة وانتاج طبقة فقيرة تتخذ مادة اولية للتجنيد من قبل الجهات الأجنبية.

6) انتاج سابقة يرسى عليها لتوطين ال​فلسطين​يين في المنطقة قريبا او بعيدا عن فلسطين، فالمهم لديهم ان تكون ​إسرائيل​ بمنأى عن الشأن وان يتم التوطين بما يريحها ويصفي ​القضية الفلسطينية​ كما تشتهي.

اما في التفصل وفي تحليل بسيط لعملية التوطين نجد ان تركيا قادرة على التملص من مخاطر التوطين لأكثر من اعتبار خاصة ما يتعلق يحجمها وقوتها التي تمكنها من درء مخاطر توطين مليون سوري في دولة يتجاوز سكانها ال 80 مليون وهي قد تكون بحاجة لهم في مواجهة بعض الفئات من مواطنيها الحاليين او لأحداث نوع من توزن معهم. كما انها قد تتخذهم أداة ومعبر للتدخل في الشأن السوري تحقيقا لأحلام تركية قديمة ولهذا نجد ان تركيا اعتمدت مؤخرا سياسة التجنيس التي كان اخرها منذ يومين منح الجنسية التركية لخمسين ألف نازح سوري.

اما الخطر الرئيسي من التوطين فان يحيق بسورية أولا ثم بكل من لبنان والأردن ثانيا حيث انه سيشكل ضغطا متعدد الوجوه على هذه الدول في مجال الامن والاقتصاد والاجتماع والسياسية ضغطا يقود الى حالة عدم استقرار اكيدة وتنازع داخلي يشغل هذه الدول عن مصالحها الوطنية وعن الأخطار التي تشكلها إسرائيل عليهم.

وبالتالي وكما كنا نقول دائما عن توطين الفلسطينيين ونرفضه لان فيه هدر للحقوق الفردية والوطنية والقومية على حد سواء خدمة للمشروع الصهيوني الاحتلالي فاننا نقول عن توطين السوريين الشي ذاته فهو من جهة ينتهك البنيية الديمغرافية السورية أولا ثم لدول الجوار ثانيا، ومن جهة أخرى يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل ويمنحها سابقة تقيس لفرض توطين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.

ولأجل ذلك نجد ان رفض توطين السوريين خارج ديارهم الأصلية صدر في الأساس عن الدولة السورية ذاتها ـ وجاء رفضا مركبا من موقف سياسي عبر عنه رئيس الدولة وأكدته سورية في كلمتها التي القاها وزير الخارجية مؤخرا امام الأمم المتحدة، ومن موقف عملي تجلى بالتصرف السوري حيال المواطنين لجهة إيواء من يرغب الايواء في أي منطقة تحت سيطرتها او لجهة المصالحات والانتقال داخل سورية حيث يشاء المواطن الذي تخلى عن السلاح والعنف.

اما لبنان الذي نص في مقدمة دستوره على رفض توطين أحد فيه فقد رفض رئيسه رفضا قاطعا فكرة توطين أحد في لبنان وجاء رفضه في كلمته امام الأمم المتحدة ليشكل ردا على ترامب في طرحه العدواني، ولا يغير من موقف لبنان الذي عبر عنه رئيس الجمهورية مواقف ملتبسة مراوغة تصدر عن بعض القوى السياسية اللبنانية المرتبطة أصلا بالمشروع الصهيواميركي والتي ساهمت بطريقة او أخرى في العدوان على سورية.

يبقى موقف الأردن الذي في العمق يخشى التوطين وفي العلانية يخشى التصريح ولكن توطين مليو سوري في الأردن سيكون بمثابة الإعلان عن انتهاء النظام الأردني القائم ومدخلا لتوطين الفلسطينيين والقانة الوطن البديل.

ولان للتوطين مثل هذه المخاطر فان محور المقاومة وضع في لائحة أهدافه الدفاعية منع التوطين هدفا رئيسيا وهو يتمسك بعودة كل سوري الى بيته للنهوض بسورية واعمارها بيد السوريين أنفسهم على حد ما جاء في كلمة سورية امام الأمم المتحدة، حتى لا يكون الاعمار او إعادة البناء نافذة للتغلغل الأجنبي في سورية التي انتصرت على العدوان المسلح وهزمت المشروع بوسائله الميدانية الإرهابية، فسورية التي صمدت في الميدان ستكون صلبة وصامدة في السياسة والاقتصاد أيضا ولن تمكن أحدا من الالتفاف على انتصارها التاريخي الاسطوري.