صحيح أن زيارة رئيس ​الرابطة المارونية​ وأعضاء في مجلسها التنفيذي، أمس، الى الصرح البطريركي لم تكن نتيجة التطورات التي إستجدت باستقالة الرئيس ​سعد الحريري​ كونها مقررة سلفاً، ولكن هذا الحدث طغى على المحادثات لدرجة أنه إستأثر بها تقريباً. وفي المعلومات التي توافرت أن النقيب ​أنطوان قليموس​، رئيس الرابطة، كان مهجوساً، خلال الزيارة، بألا يقع سيّد ​بكركي​ في أي فخ أو إستدراج. ومع أن زيارة غبطة البطريرك الراعي الى المملكة العربية السعودية هي أيضاً مقررة منذ ما قبل الإستقالة، إلا أن حدوثها، في هذا التوقيت، لا يمكن أن يكون إلاّ في صلب الحدث السعودي - ال​لبنان​ي.

واضح ما قاله قليموس أنّ أحداً لا يملي على السيّد البطريرك ما يراه وما لا يراه مناسباً، وما يقرره أو لا يقرره من مواقف وقرارات، إلاّ أنّه كان واضحاً أنّ الرابطة لا تشجّع على الزيارة . فكلام النقيب قليموس ذهب في إتجاه التريُّث، معلناً (بصفته الشخصية) التأييد لموقف الرئيس العماد ​ميشال عون​ الداعي الى عدم البت في مسألة الإستقالة وما يُفترض أن يليها من إجراءات دستورية الى ما بعد عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان وإجتماعهما معاً، ومن ثم أخذ الحقيقة من مصدرها، مباشرة، أي من رئيس ​الحكومة​ المستقيل.

لافتا، كان أيضاً، دعاء رئيس الرابطة المارونية أن يلهم اللّه غبطة سيّدنا البطريرك في إتخاذ القرار الذي سيتوصّل إليه في شأن الزيارة: يقوم بها أو يطلب تأجيلها.

وفي المعلومات أنّ غبطة البطريرك، بدوره، يستلهم الروح القدس في القرار الذي سيصل إليه بعدما إنتقل هذا الموضوع المهم الى الإعلام الذي يتناوله من وجهة نظر كل طرف إعلامي وكذلك إنتقل بقوة الى التجاذب السياسي: فالداعون الى القيام بالزيارة معروف منطلقهم، وكذلك معروف منطلق الذين يقولون بالتريث. أمّا الرابطة المارونية فهي لا تنطلق من موقف أي من الفريقين، إنما من مصلحة وطنية حقيقية لا غبار ولا مآخذ عليها.

وفي هذا السياق نود أن نشير الى أنه إذا كانت زيارة المرجعية ​المسيحية​ الكبيرة الى المملكة تواجه هكذا إحراجاً، فإنّ التحرّج سيكون أصعب في القرارات حول المواضيع والمسائل ذات الصلة بالإستقالة التي ستستجد في طالع الأيام. وعلى سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن التوفيق بين إصرار السعودية على حكومة من دون حزب اللّه وبين تعذّر تشكيل هكذا حكومة على الصعيد العملي؟!.

وفي حال افترضنا جدلاً أنّ مثل هذه الحكومة شُكلت، مع الحزب أو من دونه، فكيف يمكن التوصل الى توافق على بيانها الوزاري في ظل هذه الأزمة المتفاقمة التي فجرّتها الإستقالة، أو أقله نقلتها الى الواجهة؟!.

وماذا عن الشخصية التي تقبل التكليف خصوصاً إذا قاطع فريق بكامله الإستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية بعد قبول الإستقالة؟!.

والأبعد مدى: ماذا إذا قاطع الفريق اياه ​الإنتخابات النيابية​ المقررة في أيار المقبل.

وأصلاً: هل هذه الإنتخابات ستُجرى حتماً في موعدها؟!.

فعلاً: باتت النجدة مطلوبة من الروح القدس.