اليوم 14 آذار الثامن... لم يعد آذار واحداً، صار هناك حتى اليوم ثمانية آذارات، والعدد سيرتفع واللائحة ستطول لأن نصف الشعب سيبقى وسيستمر يحتفل في كل سنة بهذا التاريخ بحدث مليونيته التاريخية التي قلبت كلَّ المعادلات وأعادت وضع لبنان على خارطة دول العالم التي استحقت إستقلالها وحريتها وسيادتها عن جدارة.

اليوم 14 آذار، إنه عيد شعب 14 آذار وليس عيد أي أحد سواهم:

عيد الذين زحفوا إلى ساحة الشهداء غير آبهين بقرار منع أو إمكان قمع.

عيد الذين وقفوا على مفاصل الطرقات حاملين الورود والأعلام يوزعونها على القافلات الآتية من البقاع والجبل في طريقهم إلى بيروت لتتعانق المناطق اللبنانية مع بعضها البعض.

عيد الذين التحموا في ساحة الشهداء قبل أن تلوِّثهم موبقات فرز اللقاء الأرثوذكسي المقيت.

عيد الذين صدَّقوا ان الإستقلال تصنعه الشعوب وليس القيادات. وعيد الذين اقتنعوا بأن الإستقلال الذي يأتي عن طريق القيادات فقط هو إستقلال ممهور بعيوب الحسابات الضيقة والقصيرة المدى التي تنكشف عند أول منعطف.

لن نتحدَّث بألسنة المُحبَطين ونقول:

عيدٌ بأي حالٍ عُدتَ يا عيد، هذا الإحباط هو للسياسيين أما الناس فالإحباط ليس في قاموسهم، فيوم نزلوا بأعدادهم المليونية لم ينتظروا إشارة أحد، ولم يطرق أحدٌ أبوابهم ليدعوهم إلى النزول.

الناس يمتلكون حُسَّاً وحدساً لا يمتلكه السياسيون، ولذلك فهُم يتصرفون بعفوية بعيداً عن الحسابات الضيِّقة.

إن شعب 14 آذار يسأل اليوم:

من هنا إلى أين؟

إذا كان السياسيون لا يعرفون الإجابة فإن الناس يعرفونها:

إن القضية التي من أجلها نزل الناس بالمليون في 14 آذار 2005، لم تزل هي إياها، فطريق الحقيقة والعدالة مازالت طويلة وتحتاج إلى نضال يومي لتتحقق، وهذا يحتاج إلى مثابرة ونضال يومييْن وليس فقط إلى مجرد شعارات تُرفَع في المناسبات.

يبقى 14 آذار يوماً وطنياً حين نعتبر أن كل يوم هو 14 آذار، فحين يمر مرةً في السنة ونتعاطى معه على انه أحد الطقوس الرسمية لا أكثر ولا اقل، عندها يكون قد انتهى كل شيء، فهذه المناسبة هي أكبر من يوم لا يتضمن سوى احتفال.

للصادقين وللمخلصين وللأوفياء لذكرى 14 آذار، نقول:

هذا اليوم سيبقى في الوجدان.

هذا اليوم سنُجدِّد العهد والوعد على أن نبقى متيقظين إلى ان الطريق مازالت محفوفة بالمخاطر، وان الشعب سيبقى جاهزاً ومستنفَراً متحمساً للنزول إلى ساحة الشهداء في كل مرة يجد أن نزوله قيمة مُضافة للقضية التي من أجلها يُناضِل وليس مجرد مظهر من مظاهر المزايدات.