يروي دبلوماسي عربي يعمل في الأمم المتحدة منذ عقود أنه، وأثناء مرافقته لأحد كبار الدبلوماسيين الأميركيين في زيارة رسمية لامارة دبي بهدف لقاء أحد كبار الأمراء الخليجيين، من أصحاب الرأي والمشورة في دولته، وخلال اجتماع سري في أحد الفنادق المطلة على برج العرب، أعرب المسؤول الأميركي، بعد ثناء كبير على الموجة العمرانية بالامارة، عن إعجابه بالبرج المذكور لما يحمله من علامات نمو اقتصادي، وبعد فترة قصيرة من الصمت رد الأمير العربي بالقول: "إن هذا البرج العظيم الذي تراه بأم العين يكفيه صاروخ ايراني واحد لتدميره ومساواته بالأرض واعادة صورة الصحراء القاحلة".

لم يمر كلام الأمير العربي مرور الكرام، بل أن الدبلوماسي الأميركي المخضرم أشار في التقرير الذي رفعه الى خارجية بلاده لرأي الأمير الخليجي، حيث شكل هذا التعليق مدار بحث وتحميص ودراسة معمقة من قبل الخارجية وصلت بنتيجته إلى قناعة بأن الدول العربية والخليجية لا تبدو راغبة في خوض أي من أنواع الحروب العسكرية مع ايران، وذلك خوفاً على مصالحها الاقتصادية والنفطية، باعتبار أن أي خطأ في الحسابات من شأنه اعادة الدول الخليجية والنفطية عقود إلى الوراء، وذلك نظراً إلى حجم القدرة الصاروخية الايرانية وعدم جواز مقارنتها بالقدرات العسكرية لدول الخليج مجتمعة، وبالتالي فإن لعبة عض الأصابع الجارية بين ايران من جهة وواشنطن من جهة ثانية، لا يجب أن تتخطى مرحلة الضغط الشديد للحصول على أكبر قدر من التنازلات الممكنة.

ويقول الدبلوماسي العربي – الأممي أن ما دفعه إلى كشف هذه الواقعة هو للتأكيد على أن ما تشهده الساحة اللبنانية منذ أسابيع هو نتيجة لتفاهم ايراني سعودي أبصر النور برعاية أميركية روسية مشتركة، وذلك بعد أن تخطت المحادثات الأميركية الايرانية حدود الملف النووي لتصل إلى أبعد من ذلك بكثير، أي إلى ماهية الدور الإيراني كشرطي للخليج، وضامنة لأمنه وأمن جيرانها، اضافة إلى أمن مضيق "هرمز"، بالتزامن مع التقدم المحقق على مسار المباحثات الأميركية الروسية بشأن الأزمة السورية.

بالحديث عن لبنان، يعتبر الدبلوماسي أن شيئاً جذرياً لن يتحقق في مدى الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، لافتاً إلى أن الحلول تنتظر مسار التفاهم السعودي الايراني. ففي وقت تسعى الأولى إلى انتزاع الورقة السنية من حليفتها اللدود قطر واعادتها إلى بيت الطاعة الوهابي، بحسب التعبير، تشدد الثانية على ضرورة المحافظة على الأذرع الايرانية والشيعية الممتدة على طول العالمين العربي والاسلامي بما فيه لبنان، وبالتالي فإن طهران لا تمانع الخطوة السعودية، كما أنها لا تمانع اتصال "حزب الله" بالمملكة طالما أن المطلب السعودي هو الورقة السنية وليس الاسلامية بشكل عام، وبالتالي فإن التوافق الراهن يقتصر على تبريد الساحة اللبنانية بانتظار تظهير المشهد السوري، خصوصاً أن كل ما يجري هناك هو عبارة عن محاولات حثيثة لتحقيق انتصارات ميدانية يمكن ترجمتها في حلبة المفاوضات، خصوصاً بعد تحولت الأزمة السورية من مأزق بين النظام ومعارضيه، إلى أزمة حقيقية بين الدول الأوروبية من جهة وبريطانيا وأميركا من جهة ثانية .

غير أن ما يقلق الدبلوماسي هو غموض الموقف القطري الرافض مبدئياً التنازل عن الورقة السنية، وإن كان ذلك لمصلحة أكبر الدول الخليجية وأغناها على الاطلاق، بحيث تتمحور المتابعات الاقليمية والدولية على رد فعل الدوحة، لاسيما بعد أن حرقت الكثير من أوراقها في أتون الأزمة السورية المشتعل منذ أكثر من سنتين.