لنعترف بما يتجاهله بعض اللبنانيين عن قصد او غير قصد. بفصوله واسابيعه كلها يورث عام 2013 الكثير من الملفات الكبرى، الخطيرة منها، الى السنة الجديدة، بعدما اخفق اللبنانيون في طيّها او توفير المخارج التي تحتاج اليها وتوفير العلاج الناجع لها.

لنعترف ايضا باننا نجحنا في تجنيب البلاد الكثير من الازمات التي كنا نتوقعها. واجهناها بسلاح الموقف احيانا، وسلاح الوحدة والتضامن في احايين اخرى، وبقدراتنا العسكرية والامنية مرات اخرى. منها التي غدرت بنا فكانت من تخطيط العدو وادواته، ومنها التي تجاوزت قدراتنا على المواجهة والتحمّل.

لنعترف بان معظم تلك الازمات التي عصت علينا كانت من تدبير عدوين يتربّصان بنا، اسرائيل والارهاب. فاقت في بعض الاحيان قدراتنا، وتسللت من بين انقساماتنا لتنهش في جسد الوطن تمزيقا. لكن معظم القضايا التي طوقناها وعالجناها استنادا الى قوة القرار وصوابيته في شكله وتوقيته والمضمون، وبالوحدة والتضامن بين اللبنانيين والتنسيق الفاعل بين المؤسسات والسلطات الرسمية والامنية والعسكرية.

لنعترف ايضا وايضا بان العام المنصرم حفل بالاستحقاقات والازمات الوطنية الكبرى، عدا الازمات العابرة على كل المستويات الوطنية والامنية والسياسية والاجتماعية. منها التي انتجتها اخطاء الداخل بكل صراحة، ومنها التي استوردها بعض اللبنانيين وساهم في نقل تردداتها والنتائج السلبية التي اسفرت عنها لتكون مادة خلاف داخلي في لبنان، ومنها التي القت بظلالها على حياتنا اليومية من دون استئذان او من دون ان تنال منا رأيا او موقفا. فكانت ساحتنا مسرحا لها شاء من شاء، وابى من أبى.

لذلك نحن في الايام الاولى من العام الجديد، مدعوون الى ممارسة فعل الصراحة والاعتراف حيث اخفقنا او نجحنا. حيث لم نكن قادرين على رد ما فرض علينا، او كنا منقمسين على انفسنا فعبرت المؤامرات والدسائس. حيث نجحنا في ابعاد الكثير من الكؤوس المرّة عن لبنان واللبنانيين او تخفيف آثارها السلبية علينا ومجتمعنا، كنا موحدين فاستثمرنا قوانا وقدراتنا كاملة في افضل الظروف.

لا اخفي عليكم جميعا اننا كنا نتوقع الكثير مما شهدته بلادنا. كنا ندرك حجم المخاطر التي تعرضنا لها، او التي تهددنا من بعيد، وتقدير ما يريده اعداء لبنان، وكل مَن دبّر الدسائس من اهل البيت وخارجه، من صديق او عدو، متواطىء او مهمل لا فرق. كنا وسنبقى بالمرصاد لكل ما يدبّر لنا ولوطننا وشعبنا.

كونوا على ثقة باننا، في الأمن العام، قررنا العزم على القيام بواجباتنا التي قال بها القانون. كنا وسنبقى على اتم الاستعداد لاستكمال المهمات التي القيت على عاتقنا عند الحدود البرية والبحرية والجوية، وفي الداخل. نقوم بالمهمات التي اوكلت الينا ايا يكن الثمن وفي اي ظرف.

ان حماية السلم الاهلي من مهماتنا، حيث وجدنا بالتنسيق والتعاون مع القوى الأمنية والعسكرية والادارية، كي نكون صمام الامان للسلم والامن الوطنيين، ونكون عند حسن ظن مَن راهن على دورنا وقوتنا وانضباطنا.

اثبتت الاحداث الاخيرة اننا كسبنا الكثير من الرهانات، وحققنا ما لم يكن ينتظره احد في كثير من الملفات التي من مهماتنا او كلفنا اياها، فاستعدنا شيئآ من دورنا الوطني الكبير كصمام امان، ليس من اجل مواكبة الاحداث فحسب، بل بغية اجتراح الحلول ووضع حد لكل مَن يسيء الى لبنان واللبنانيين والمقيمين على ارض لبنان.

ندرك اننا مكلفون الى جانب القوى الامنية الاخرى حماية السلم الاهلي وضمانه، وصون النظام الديموقراطي وحماية الحريات العامة والخاصة للبنانيين والمقيمين على ارض لبنان، من ضمن هامش ما تقول به القوانين من دون اي تردد، وكي نتخذ موقعنا الطبيعي حيث يجب ان نكون، ونشكل نحن جميعنا المظلة الواقية لامن الوطن وسلامته.

ان ما تحقق الى اليوم يلقي علينا المزيد من المسؤوليات في العام المقبل لنكون اهلا للمسؤولية وحجم الثقة التي استعدناها، من مجتمع يستحق ان نكون في خدمته. نتابع مطالبه ونحقق ما يراه حقا له لا نقاش فيه. لذلك من غير المسموح ارتكاب اي خطأ، او تقاعس في القيام بما يمليه علينا الواجب. انها مسؤولية تنمو وتكبر في حجم طموحاتنا وحجم اماني ابنائنا بالمستقبل الزاهر والواعد.

تطل الاعياد المباركة، وميلاد السلام والاستقرار لم تشرق شمسه، ولا لاح نجم الهادي الى المحبة التي ينبغي ان تعود لتغمر وطننا من جديد. فنعيد بناءه معا، ونغرز المحراث في ارضه المعطاء نستنبتها الخير، ونهدي الامل الى ابنائنا القلقين على غدهم، وهم يشهدون لبنان مترنحا بين زلزال وزلزال، وانفجار وانفجار. يستبد بهم القلق في ليل الغرائز الطويل الذي يشهر سكينه، ويعمل تمزيقا في نسيجنا الوطني، ويهدد ثقافة العيش الواحد بالسقوط.

ان ما يمثل فصولا على ارض وطننا، دفع بكثيرين على التحسّر على الماضي ولاسيما منه مرحلة ما قبل الحرب اللبنانية، عندما كان ينعم الوطن بالازدهار والامان. عليه، لا بد في هذا الظرف الدقيق من وقفة شجاعة وموقف متقدّم ينتزع المبادرة باللجوء الى قرار وطني حاسم يترجم ما يتمناه اللبنانيون اليوم بعدما يئسوا، وبلغ يأسهم حدّ التشكيك بالدولة وجدوى الدور الذي تضطلع به.

ان حجم شعورنا بالمسؤولية يجب ان يتلازم مع املنا في المستقبل. المستقبل هو انتم ونظراؤكم في سائر القوى المسلحة الشرعية، تمثلون الملاذ والضمان، وتشكلون العين الساهرة للدولة وساعدها المكين. واذا كان الافتقار الى القرار السياسي يمنع عليكم ابراز قدراتكم، ويحول دون تمكنكم من ضرب الاوكار الارهابية، والعابثين بالامن، فان ما تقومون به ـ وفي حدود ما هو متاح ـ يبقى العاصم عن السقوط الاخير، ويصل الدولة بخيوط الامل، ويمدّها باسباب البقاء، ويحافظ على قدر من الجهوزية، لتكون متأهبة لاسترجاع دورها كاملا، بما يؤدي الى انحسار الغمامة السوداء التي ربضت طويلاً في سماء لبنان.

مع اطلالة الاعياد المباركة، يتطلّع اللبنانيون اليكم بثقة انتم اهل لها. فلتكن هذه الثقة رافدا من روافد الامل المشع بولادة لبنان، والاتجاه نحو الدولة التي ينبغي ان نتفيأ جميعا ظلالها. من دونها لا مستقبل، ويصبح "لبنان – الرسالة" مجرد ذكرى، او شعارا لا صلة له بعلة وجوده.

في انتظار ان ينحسر الليل الذي طال واستطال، تبقون حراس الجمهورية، ونظامها الديمقراطي، وحماة اهلها الذين لا يرضون من وطنهم بديلا مهما حاول العدو الاسرائيلي والارهاب تقويض امنه واستقراره، او كثرت في حقه المغريات وتعددت عليه الخطط والمشاريع.