قبل ساعات على بدء انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، انقلبت قوى 8 آذار على عصام بكداش. قرّرت السير في التوافق الذي قاده التيار الوطني الحرّ. أُلغي بكداش وحلّ بدلاً منه خالد شهاب، مرشح تيار المستقبل. حصلت قوى 8 آذار على 4 أعضاء، ودخل عضو جديد إلى مجلس النقابة يمثّل القوات اللبنانية. الاشتراكي أكبر الخاسرين.

«الله يديم الوفق»، «مبروك التوافق». «مبروك للجميع، والمهم نحن تمثّلنا»... هذه العبارات وما يماثلها، كانت تُردّد طيلة يوم أمس في نقابة المهندسين في بيروت. ألسنة المهندسين لم تكفّ عن التداول بما حصل. لم يقدّموا أي توصيف، بل كانوا يشيرون إلى الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان لائحة التوافق بين غالبية مكوّنات 8 آذار و14 آذار، باستثناء الحزب التقدمي الاشتراكي.

كانوا يشيرون إلى أن الاجتماعات المتواصلة بين مساء الجمعة الماضي وصباح يوم الأحد أفضت إلى إعادة إنتاج السلطة نفسها، التي كانت ممسكة بالنقابة، وتمكنت من إلغاء الآخرين، مجدداً. رسالة هذا «التوافق» تعني أن «الخرق» ممنوع، سواء كان خرقاً فكرياً، أو عملانياً، أو نظرياً... الخرق ممنوع بغض النظر عن هويته. هذا الخرق في حالة انتخابات نقابة المهندسين في بيروت هو عصام بكداش. هو خرق ليس لأنه عصام بكداش، بل لأنه خرق للمدرسة التي الفكرية التي ينتمي إليها، والتي كان يمثّلها عاصم سلام.

في البدء، بدأت قصّة الغاء عصام بكداش، بانقلاب قاده الحزب التقدمي الاشتراكي على حلفائه من قوى 14 آذار في الانتخابات التمهيدية التي تسبق المرحلة النهائية بنحو شهر. في ذلك الوقت، كان الاشتراكي يبحث عن أي عذر لضرب قنوات التواصل الخلفية بين تيار المستقبل والتيار العوني. لهذا السبب ذهب الاشتراكي في اتجاه تعديل موقعه الانتخابي في هذه النقابة من أحضان 14 آذار إلى أحضان 8 آذار. يومها، ربحت قوى 8 آذار المعركة التمهيدية على أساس أن تحالفها مع الاشتراكي أصبح كاسحاً. وعلى هذا الأساس، كان النائب وليد جنبلاط يرفض أن يؤيد رفعت سعد مرشحاً لمركز النقيب، لكونه محسوبا على بعض قادة المستقبل، فيما بعضها الآخر مصمّم على الرئيس السابق للتنظيم المدني سعد خالد. جنبلاط أدرى بلعبة «الخياطة»، فاستقبل سعد خالد وأحاطه بما يدعم ترشيحه سياسياً. خلال هذا الوقت، عزّز التيار الوطني الحرّ مبادرة التوافق التي يطرحها لتشمل كل نقابات المهن الحرّة. فجأة، أخرجت القيادات الوسطى لتيار المستقبل من جعبتها مرشحاً جديداً هو خالد شهاب، وبدأت تقايض مع التيار الوطني الحرّ على «توافق» بقيادة شهاب، وتسوّق للمعركة على أساس أن رفعت سعد هو الحصان المشاكس.

على الضفة الثانية، كانت قوى 8 آذار منتشية بانضمام الاشتراكي إلى تحالفها، وبدأت تصممم صيغاً عديدة لفوزها المرتقب بما يشمل توزيع المقاعد الخمسة في مجلس الإدارة على مكوّناتها. وفي هذا الوقت بالذات ظهر عصام بكداش ابن بيروت والمنبر المستقل، على ساحة المرشحين لمركز النقيب. كان بكداش قد زار وليد جنبلاط، ثم عمّم زياراته على قوى 8 آذار، فنال منها تأييداً واسعاً، لكنه كان تأييدا بالمفرّق. يومها كان بكداش يصف التأييد بأنه مجرد سُحب لم تمطر بعد. مواقف القوى التي تمثّل 8 آذار كانت على النحو الآتي: انقسم التيار الوطني الحرّ بين نقيب المهندسين إيلي بصيبص، ومسؤول نقابات المهن الحرّة إيلي حنّا. الأول يريد معركة، والثاني الذي يمثّل رأي القيادة، يريد «التوافق» مع تيار المستقبل «مهما كان الثمن». أما الاشتراكي، فأصرّ على دعم بكداش، ابن مدرسة عاصم سلام «الإقطاعي الأحمر»، كما كان يسميه جنبلاط، وسَحَبَ مرشّحه إلى مركز النقيب محمد بصبوص تمهيداً لبكداش. أمل وحزب الله، الثنائي الشيعي الذي يحمل خصومة كبيرة بين ممثليه في نقابة المهندسين، أعطى موافقته على بكداش، لكنّ كلاً من أمل والحزب، كانت لديه حساباته، التي جعلت من أولوياته: الفوز بمقاعد «التوافق» وتعزيز التواصل السياسي مع تيار المستقبل.

أما ترجمة هذه الأولويات، فقد جاءت بعد لقاءين عقدا بين تيار المستقبل وقيادين في حزب الله بناء على طلب الأول... سمع حزب الله ما أراد خالد شهاب قوله، واستند إلى معلوماته عن اللقاءات التي كانت تجمع بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، ليطلق موقفاً أشعل العلاقة مع حليفه العوني. وضع الحزب مجموعة شروط لإعطاء موافقته على خالد شهاب نقيباً للمهندسين، أبرزها سحب أحد أبرز مرشحي «العوني» عن عضوية مجلس الإدارة لمصلحة جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية. وأمام عناد «العوني»، سجّل مسؤول نقابات المهن الحرّة في حزب الله حسن حجازي، انسحاب مرشحي الحزب من المعركة ودعم اللائحة «من برّا». ترك هذا الموقف، انطباعاً سلبياً لدى الحلفاء بأن حزب الله أصبح خارج كل هذه المفاوضات. أيضاً سجّل الاشتراكي موقفه من هذه القصة، فأعلن وقوفه التام إلى جانب بكداش. استمرّ السجال حتى صباح يوم أمس، حين وافق العوني على ترشيح أحمد نجم الدين لمجلس الإدارة ضمن لائحة التوافق، وعلى إدراج مرشح حزب الله ضمن اللائحة، أي غانم سليم... عاد حزب الله إلى التوافق وفاز بمقعدين. فازت أمل بمقعد واحد، ومُنحت القوات اللبنانية مقعد واحد أيضاً، وحصل العوني على مقعد واحد، وفاز المستقبل بمركز النقيب.

هل كانت تضيحة مجانية من «العوني»؟

في الواقع، العوني اتفق مع تيار المستقبل على الآتي: إذا كان العرف في النقابة أن يكون النقيب مداورة بين المسلمين والمسيحيين كل ثلاث سنوات، فإن التزام العوني تجاه «حقّ» المستقبل بتسمية المرشح السنّي، يفرض التزاماً في المقابل على «حقّ» العوني بتسمية المرشح المسيحي. وأي قرار في مجلس النقابة يجب أن يخضع للتشاور بين جميع الأطراف.

هذه هي قصّة الغاء عصام بكداش. لا يمكن تسميتها إلغاءً، بل هي ليلة الانقلاب على عصام بكداش. ليلة بيعت فيها انتخابات نقابة المهندسين في بازار السياسة، بعيداً عن أي معايير مهنية، وبعيداً عن العمل النقابي. يحلو لبعض المهندسين، الإشارة إلى أن «انبطاح» التيار الوطني الحرّ أمام تيار المستقبل جاء على حساب بعض حلفائه. منهم من استفاد من قصّة التواصل السياسي، لكن التيار الوطني الحرّ يرمي إلى تعميم موقعه التمثيلي في نقابات المهن الحرّة، من خلال تعميم هذه القاعدة التي أرساها في نقابة المهندسين.

لا حاجة إلى القول أن أصوات حزب وحركة أمل والتيار الوطني وتيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب... صبّت كلها في لائحة التوافق برئاسة خالد شهاب، فيما حصل بكداش على أصوات الاشتراكي والمستقلين.

أما مجلس نقابة المهندسين بحلّته التوافقية ــ الإلغائية، فقد أصبح على النحو الآتي: عن المستقبل خالد شهاب نقيباً، والعضوان جاهدة عيتاني وحسن دمج. عن حزب الله العضوان غانم سليم وطالب فقيه. عن حركة أمل مصطفى فواز. عن الكتائب ميشال متّى. عن القوات الاعضاء أدي عبد الحي، جورج فغالي، ميشلين وهبي. وساط الطويل وبيار جعارة عن 14 آذار، وعن الاشتراكي مروان شرّوف، وعن التيار الوطني الحرّ إيلي رزق، وعن الجماعة الإسلامية منير سنجابي، وعن جمعية المشاريع احمد نجم الدين. «الله يديم الوفق».