صفّق جميع الحاضرين في مجمع رشيد كرامي في طرابلس للنازح رقم مليون الذي سجّل اسمه في مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدة. ومن ثم، ابتسموا ابتسامة عريضة لإلتقاط الصورة. إلا أن الكل يعلم أن عدد النازحين الفعلي قد تخطّى المليون منذ أشهر عدّة، وأن لبنان متروك بمفرده، يصرخ وحده، بسبب فقدانه للحد الأدنى من البنى التحتية الكافية لإستيعاب هذه الأعداد الكبيرة. ومن حين إلى آخر، نسمع سفيراً من هنا أو مؤسسة من هناك أو موفدًا رسميًا خارجيًا، يتحدّث عن هبة لما يُعرف بـ"البيئة الحاضنة للنازحين" أو بـ"المجتمع المضيف". ملايين تدفع من خلال مؤسسات دولية ولا سيما الـUNDP، يعتبرها وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس بمثابة إعطاء الجائع "حبّة من السكاكر"، إذ إن "المجتمع المضيف متضرر بمبلغ يقدّر بـ7 مليار دولار جرّاء النزوح السوري"، مشدداً على أن "هذا هو الحجم الحقيقي للمشكلة".

ساعدونا!

في منطقة ​البقاع​، حيث الأعداد الكبيرة للنازحين السوريين بحكم قربها من الحدود اللبنانية-السورية، الصرخة واحدة رغم تنوّع الإنتماءات: الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا الشكل.

في ​عرسال​، أديب الحجيري يشدد على أن "مساعدة اللبناني باتت حاجة ملحة اليوم، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة". ففي تلك البلدة قد أقفل حوالي الـ 350 منشرا، والأيدي العاملة عاطلة عن العمل، بالإضافة إلى المحال المقفلة، والحجيري يشرح أن "النازح السوري ينافس اللبناني في كل أنواع العمل وكأنه في بلده، ونحن لسنا منزعجين من ذلك، لكن هذا قد انعكس بشكل مباشر على أهالي البلدة". ويؤكد الحجيري ضرورة معاملة النازح باحترام وإنسانية، مذكراً بأن السوريين "استقبلونا في منازلهم خلال حرب تموز ولم يهينونا". أما محمود الحجيري الملقب بـ"المدبر"، فيرى أن عرسال تتحمل أكثر من طاقتها بكثير، متمنياً على الدول الحريصة على النازحين أن تنقلهم إلى مكان آخر "لأنهم أثروا علينا كثيراً". ويشير إلى ان "عدداً كبيراً من أهالي عرسال كانوا مقيمين في مناطق معينة وأجبروا على النزوح بسبب الأزمة السورية وهم اليوم دون مأوى ودون من يسأل عنهم".

ومن عرسال إلى ​بعلبك​، الهم واحد. فمن بعلبك، يطالب المواطن جهاد الميني بمساعدات دولية، وهو يعاني من توقف شبه كامل لعمله منذ أشهر، علماً أنه يملك 10 محال تجارية في سوق بعلبك. ويعتبر آخر أنه من المهم جداً "أن يدعموا بعلبك واللبنانيين لأنهم بحاجة كبيرة"، مشيراً إلى "أننا نطلب الدعم لكي نتمكن نحن أيضاً من دعم السوريين".

أما في زحلة فقد اعتمدت مطرانية الروم الكاثوليك، التي تهتم بالجزء الأكبر من المساعدات بالتنسيق مع سائر مطرانيات المدينة، طريقة جديدة منذ 8 أشهر، تقضي بالإتفاق مع الجمعيات المانحة على توزيع جزء من المساعدات إلى النازحين والجزء الآخر إلى اللبنانيين (نسبة 70% إلى السوريين، و30% إلى اللبنانيين، أو بالإنصاف 50-50)، وذلك "لأننا رأينا الحاجة الكبيرة التي يعانيها عدد من اللبنانيين أيضاً"، بحسب راشيل بعيني، المسؤولة في مكتب الشؤون الإجتماعية في أبرشية سيدة النجاة للروم الكاثوليك في زحلة. هذه المبادرة بدأت بدعوة من المطران عصام درويش، رغم أن مساعدة اللبنانيين من قبل المطرانية كانت تتم وما زالت منذ سنوات عدة من خلال الجمعية الخيرية الكاثوليكية.

بسرعة سلحفاة!

الوزير درباس يدرك جيداً هذا الواقع، ويؤكد أن الدولة ستسير وفق خارطة الطريق التي نظمها البنك الدولي الذي حدد أنه "لا بد من مساعدات عاجلة إلى لبنان تصل إلى مليارين ومئتي مليون دولار أميركي". ويشرح أن "خارطة الطريق هذه، نتج عنها تشكيل صندوق ائتمان لتجميع المبلغ المطلوب، ولكن حتى الآن، لم يتخطَّ الـ50 مليون دولار، وهذا يعني أننا ما زلنا في البداية". ويقول: "المساعدات آتية بسرعة السلحفاة والمشكلة آتية بسرعة الغزال".

ووفقاً لبرنامج البنك الدولي هذا، فإن بعض المال سيستثمر في سندات الخزينة لدعم الليرة اللبنانية، وآخر في الطاقة، والبنى التحتية والتنمية ... إلخ، وبالطبع، جزء منه سيتجه لدعم البلديات.

وهذا ما تمناه رئيس بلدية بعلبك حمد حسن: الدعم المباشر للسلطات المحلية، أي البلديات "التي تعرف أكثر من أي جهة أخرى أولويات منطقتها"، مشيراً إلى أنه "على التشخيص أن يبدأ منها، وعلى الدولة بمساعدة المجتمع الدولي دعمها لكي يصار إلى حضن النازح السوري بأقل الأضرار ولكي تعمل على حضن دعم المجتمع المضيف".

ويوضح أنه "منذ عامين ونصف حتى الآن، الموارد البشرية والمادية والأجهزة الرسمية في البلدية اضمحلت وبتنا نصرخ بمفردنا في هذا الكون ونقول: نريد من الدول أن تتدخل لصالح السلطات المحلية لإقامة المشاريع، لأن لا أحد أدرى من البلديات بحاجة المدينة إلى تلك المشاريع".

بعلبك التي تعاني من وضع مالي كارثي خصوصاً وأن 50% من إيراداتها تعتمد على مدخول القلعة، لم يتنفذ فيها إلا بعض المشاريع الصغير من قبل جمعيات محلية، لذلك يطالب حسن بعدم استبدال دور البلدية بدور الجمعيات "لأن البلدية تخضع لسلطة رقابة والقانون يحاسبنا إذا أخطأنا لكن بعض الجمعيات تقوم بمشاريع تشخصها هي، وقد لا تكون أولوية المجتمع المحلي".

توزيع غير عادل!

وعندما يصار الحديث عن دعم المجتمع المضيف، التساؤلات تكبر، وتكبر معها المخاوف: فرئيس بلدية بعلبك يخشى أن يُصار في السياسة إلى تفضيل بلديات على بلديات أخرى. أما ابن مدينته جهاد الميني فيشكك بقدرة الدولة على مساعدتهم فعلياً، مطالبا بمساعدات دولية. وفي عرسال، أديب الحجيري يفضل عدم الدخول في توزيع الأموال على البيئة الحاضنة بل الإتجاه نحو المشاريع الإنمائية، خصوصاً "وسط ما نسمعه عن سوء توزيع الأموال للنازحين السوريين، وبالتالي قد يكون هذا التوزيع غير عادل".

ورداً على سؤال حول إذا ما يعد اللبنانيين بتطبيق الخطة التي حددها البنك الدولي سريعاً، يوضح درباس "أننا نحن الذين نريد من المجتمع الدولي أن يعدنا بذلك، فنحن جزء من اللبنانيين".

ويوضح أن "ما يأتينا هو غير كافٍ على الإطلاق"، مشدداً على ضرورة أن نتحد جميعنا، لأن اتحاد اللبنانيين هو أول وسيلة لكسب ثقة المجتمع الدولي. وهنا، وجه رسالة إلى اللبنانيين، قائلاً: "إن الخطر الداهم الذي كان النازح رقم مليون رمزه بالأمس يوجب علينا أن ندع خلافاتنا وراءنا أو أن نؤجلها لمرحلة لاحقة لأن الطوفان الوارد علينا لا يمكننا صده إلا باتحادنا لبلورة موقف موحد مع المحيط العربي والمجتمع الدولي".

تداعيات النزوح السوري باتت فعلاً بحاجة إلى تدخل دولي وأممي، "لأن الجمهورية اللبنانية بوزاراتها الخدماتية لم تستطع أن تتدخل لحل المشاكل أو جزء منها، من خلال تنفيذ مشاريع استراتيجية وتنموية بامتياز بغض النظر عن انتماءات المناطق حتى الساعة"، بحسب حسن. وإلى حين الوصول إلى المبلغ المطلوب، وبدء السير بخارطة الطريق المحددة من قبل البنك الدولي، يبقى الأمل الأكبر في أن يتم الإلتفات بأسرع وقت ممكن إلى هذا المجتمع المضيف، الذي فتح أبوابه أمام هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة، والذي يجب دعمه ليتمكن من الصمود والإستمرار في القيام بدوره الحاضن للنازح السوري، حتى اليوم الذي يعود فيه إلى بلاده.

تصوير فوتوغرافي حسين بيضون ومحمد سلمان

تصوير تلفزيوني علاء كنعان